وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها، ومن هذا القسم ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وإسراج مواضع في كل بلد؛ يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه أحداً ممن شهر بالصلاح، فيفعلون ذلك، ويظنون أنهم يتقربون إلى الله، ثم يجاوزون ذلك إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، ويرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم بالنذر لهم، وهي بين عيون وشجر، وحائط وحجر. وفي دمشق، صانها الله، من ذلك مواضع متعددة، كعوينة الحمى، والشجرة الملعونة خارج باب النصر، سهل الله قطعها؛ فما أشبهها بذات أنواط.

ثم ذكر كلاماً طويلاً - إلى أن قال - أسأل الله الكريم معافاته من كل ما يخالف رضاه، ولا يجعلنا ممن أضله فاتخذ إلهه هواه.

فتأمل ذكره في هذا النوع، أنه نبذ لشريعة الإسلام، وأنه خروج على الإيمان، ثم ذكر أنه عم الابتلاء به في الشام. فأنت قل لصاحبكم: هؤلاء العلماء من الأئمة الأربعة ذكروا أن الشرك عم الابتلاء به وغيره، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، وذكروا أن الدين عاد غريباً. فهو بين اثنتين: إما أن يقول: كل هؤلاء العلماء جاهلون، ضالون مضلون خارجون، وإما أن يدعي أن زمانه وزمان مشايخه صلح بعد ذلك.

ولا يخفاك أني عثرت على أوراق عند ابن عزاز، فيها إجازات له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له عبد الغني، ويثنون عليه في أوراقهم، ويسمونه العارف بالله؛ وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون، حتى قال ابن المقري الشافعي: من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر. فإذا كان إمام دين ابن عربي والداعي إليه هو شيخهم، ويثنون عليه أنه العارف بالله، فكيف يكون الأمر؟ ولكن أعظم من هذا كله ما تقدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015