عن أبي الدرداء وأنس وهما بالشام، ذلك الكلام العظيم. واحتج به أهل العلم على أن زمانهم أعظم، فكيف بزماننا؟
وقال ابن القيم، رحمه الله، في الهدي النبوي، في الكلام على حديث وفد الطائف لما أسلموا وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك لهم اللات لا يهدمها سنة، ولمّا تكلم ابن القيم على المسائل المأخوذة من القصة قال: ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت، بعد القدرة على هدمها وإبطالها، يوماً واحداً؛ فإنها شعائر الشرك والكفر، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة. وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثاناً تُعبد من دون الله، والأحجار التي تُقصد للتبرك والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته؛ وكثير منها بمنْزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركاً عندها وبها. والله المستعان. ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من قبلهم، وسلكوا سبيلهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة. وغلب الشرك على أكثر النفوس لغلبة الجهل وخفاء العلم. وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة. ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير. وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، وقلّ العلماء، وغلب السفهاء. وتفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناسز انتهى كلامه.
وقال أيضاً، في الكلام على هذه القصة، لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ مال اللات وصرفه في المصالح: ومنها: جواز صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه