في الأمر واعتقاد هذا كفر - إلى أن قال - إذا عرف هذا، فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها، وينقل إلى ضرائح الأولياء، فحرام بإجماع المسلمين؛ وقد ابتلي الناس بهذا، لا سيما في مولد أحمد البدوي. فتأمل قول صاحب النهر، مع أنه بمصر ومقر العلماء، كيف شاع بين أهل مصر ما لا قدرة للعلماء على دفعه. فتأمل قوله من أكثر العوام، أتظن أن الزمان صلح بعده؟
أما المالكية، فقال الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع: روى البخاري عن أبي واقد الليثي قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط. فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: الله أكبر، هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. لتركبنّ سنن من كان قبلكم ". فانظروا، رحمكم الله، أينما وجدتم سدرة يقصدها الناس، وينوطون بها الخرق، فهي ذات أنواط، فاقطعوها. وقال صلى الله عليه وسلم: " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ؛ فطوبى للغرباء، الذين يصلحون إذا فسد الناس " 1. ومعنى هذا: أن الله لما جاء بالإسلام، فكان الرجل إذا أسلم في قبيلته غريباً مستخفياً بإسلامه، قد جفاه العشيرة، فهو بينهم ذليل خائف، ثم يعود غريباً لكثرة الأهواء المضلة والمذاهب المختلفة، حتى يبقى أهل الحق غرباء في الناسن لقلتهم وخوفهم على أنفسهم.
وروى البخاري عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: " والله ما أعرف فيهم من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعاً "، وذلك أنه أنكر أكثر أفعال أهل عصره. وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي