ومن أتى هذا القصر وأتى قصر أنس رأى أرضا كالكافور، وتربة ثريّة، ورأى ضبّا يحترش، وغزالا يقتنص، وسمكا يصاد، ما بين صاحب شصّ وصاحب شبكة، ويسمع غناء ملّاح على سكّانه، وحداء جمّال على بعيره.

قالوا: وفي أعلى جبّانة البصرة موضع يقال له الحزيز يذكر الناس أنّهم لم يروا قطّ هواء أعدل، ولا نسيما أرقّ، ولا ماء أطيب منها في ذلك الموضع.

وقال جعفر بن سليمان: «العراق عين الدّنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، وداري عين المربد» .

وقال أبو الحسن وأبو عبيدة: «بصّرت البصرة سنة أربع عشرة، وكوّفت الكوفة سنة سبع عشرة» .

فصل منه: زعم أهل الكوفة أنّ البصرة أسرع الأرض خرابا، وأخبثها ترابا، وأبعدها من السّماء وأسرعها غرقا، ومفيض مائها البحر، ثم يخرج ذلك إلى البحر الأعظم.

وكيف تغرق، وهم لا يستطيعون أن يوصلوا ماء الفيض إلى حياضهم إلّا بعد أن يرتفع ذلك الماء في الهواء ثلاثين ذراعا، في كلّ سقاية بعينها، لا لحوض بعينه.

وهذه أرض بغداد في كلّ زيادة ماء ينبع الماء في أجواف قصورهم الشّارعة بعد إحكام المسنّيات التي لا يقوى عليها إلّا الملوك، ثم يهدمون الدّار التي على دجلة فيكسون بها تلك السّكك، ويتوقّعون الغرق في كلّ ساعة.

قال: وهم يعيبون ماء البصرة، وماء البصرة رقيق قد ذهب عنه الطّين والرّمل المشوب بماء بغداد والكوفة، لطول مقامه بالبطيحة، وقد لان وصفا ورقّ.

وإن قلتم: إنّ الماء الجاري أمرأ من الساكن، فكيف يكون ساكنا مع تلك الأمواج العظام والرّياح العواصف، والماء المنقلب من العلو إلى السّفل؟

ومع هذا إنّه إذا سار من مخرجه إلى ناحية المذار ونهر أبي الأسد وسائر الأنهار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015