فإن ابتليت في بعض الأوقات بمن يضرب بحرمة ويمتّ بدالّة، يطلب المكافأة بأكثر ممّا يستوجب، فدعاك الكرم والحيا إلى تفضيله على من [هو] أحقّ منه، إمّا تخوّفا من لسانه، أو مداراة لغيره، فلا تدع الأعتذار إلى من فوقه من أهل البلاء والنّصيحة وإظهار ما أردت من ذلك لهم، فإنّ أهل خاصّتك والمؤمنين على أسرارك، هم شركاؤك في العيش، فلا تستهيننّ بشيء من أمورهم، فإنّ الرّجل قد يترك الشىء من ذلك اتّكالا على حسن رأي أخيه، فلا يزال ذلك يجرح في القلب وينموه حتّى يولّد ضغنا ويحول عداوة.
فتحفّظ من هذا الباب، واحمل إخوانك عليه بجهدك.
وستجد في من يتّصل بك من يغلبه إفراط الحرص وحميّا الشّره، ولين جانبك له، على أن ينقم العافية، ويطلب اللّحوق بمنازل من ليس هو مثله، ولا له مثل دالّته، فتلقاه لما تصنع به مستقلّا، ولمعروفك مستصغرا. وصلاح من كانت هذه حاله بخلاف ما فسد عليه أمره. فاعرف طرائقهم وشيمهم، وداو كلّ من لا بدّ لك من معاشرته بالدواء الذي هو أنجع فيه، إن لينا فلينا، وإن شدّة فشدّة، فقد قيل في المثل:
من لا يؤدّبه الجميل ففي عقوبته صلاحه وقد قال بعض الحكماء:
«ليس بحكيم من لم يعاشر من لا يجد من معاشرته بدّا، بالعدل والنّصفة، حتّى يجعل الله له من أمره فرجا ومخرجا» .
فاحفظ هذه الأبواب التي يوجب بعضها بعضا، وقد ضمنت لك أوائلها كون أواخرها. فاعرفها واقتبسها، واعلم أنّه متى كان الأوّل منها وجب ما بعده لا بدّ منه. فاحذر المقدّمات اللاتي يعقبها المكروه، واحرص على توطيد الأمور