الراجحة على سيئاته، مع النّدم على السّيئات، كان على سبيل النجاة، وطريق الفوز بالإفلاح. ومن مالت سيئاته بحسناته كان العطب والعذاب أولى به.
وكذلك حكمه في الدنيا، لأنّه قد تولّى أولياء من خلقه وشهد لهم بالعدالة، وقد عاتبهم في بعض الأمور لغلبة الصّلاح [في أفعالهم وإن هفوا، وتبرّأ من آخرين وعاداهم لغلبة الجور] على أفاعيلهم، وإن أحسنوا في بعض الأمور.
وكذلك جرت معاملات الخلق بينهم، يعدّلون العادل بالغالب من فعله وربّما أساء، ويفسّقون الفاسق وربّما أحسن. وإنما الأمور بعواقبها، وإنّما يقضى على كلّ امر بما شاكل أحواله.
فهذه الأمور قائمة في العقول، جرت عليها المعاملة، واستقامت بها السياسة، لا اختلاف بين الأمّة فيها.
فلا تغبننّ حظّك من دينك، وإن استطعت أن تبلغ من الطّاعة غاياتها فلنفسك تمهّد، وإلّا فاجهد أن يكون أغلب أفعالك عليك الطّاعة، مع الندامة عند الاساءة ويكون ميلك عند الإساءة، إلى الله أكثر. والله يوفّقك.
اعلم أنّ الله جلّ ثناؤه خلق خلقه، ثمّ طبعهم على حبّ اجترار المنافع، ودفع المضارّ، وبغض ما كان بخلاف ذلك. هذا فيهم طبع مركّب، وجبلّة مفطورة، لا خلاف بين الخلق فيه، موجود في الإنس والحيوان، لم يدّع غيره مدّع من الأوّلين والآخرين. وبقدر زيادة ذلك ونقصانه تزيد المحبّة والبغضاء، [فنقصانه] كزيادته تميل الطّبيعة معهما كميل كفّتي الميزان، قلّ ذلك أو كثر.
وهاتان جملتان داخل فيهما جميع محابّ العباد ومكارههم. والنّفس في طبعها حبّ الرّاحة والدّعة، والازدياد والعلوّ، والعزّ والغلبة، والاستطراف والتّنّوق