عليه في قوله، فتبسّم الفضل وقال: هذا من غيرك فيك أحسن منك بلسانك لك، نعود وننظر إن شاء الله!
وحسبك بقوم أنبلهم أخسّهم في الرّزق مرتبة، وأعظمهم غناء أقلّهم عند السّلطان عقلا. يرزق صاحب ديوان الرسائل- وبلسانه يخاطب الخلق- العشر من رزق صاحب الخراج. ويرزق المحرّر- وبخطّه يكون جمال كتب الخليفة- الجزء من رزق صاحب النّسخ في ديوان الخراج. لا يحضر كاتب الرسائل لنائبة، ولا يفزع إليه في حادثة. فإذا أبرم الوزراء التدبير ووقفوا منها على التقدير، طرحت إليه رقعة بمعاني الأمر لينسّق فيه القول، فإذا فرغ من نظامه واستوى له كلامه، أحضر له محرّره فجلس في أقرب المواطن من الخليفة، وأمنع المنازل من المختلفة، فإذا تقضيّ ذلك فهما والعوام سواء.
هذا وليست صناعتهما بفاشية في الكتّاب، ولا بموجودة في العوامّ؛ فأغزرهم علما أمهنهم، وأقربهم من الخليفة أهونهم. فكيف بكاتب الخراج الذي علمه ليس بمحظور واشراك الناس فيه ليس بممنوع، يصلح لموضعه كل من عمل وعمل عليه، أحمد أحواله عند نفسه التعقّد على الخصوم، وأسعد أموره التي يرجو بها البلوغ الشّره ومنع الحقوق. وأحذق ما يكون بصناعته عند نفسه حين يأخذ بإبطال السّنن، ويعمل بفلتات الدفوع.
ولذلك ما ذكر أنّ بعض رجال الشّعبيّ قال له: يا أبا عمرو، الكتّاب شرار خلق الله! فقال: لا تفعل.
ولكنّ الشعبيّ كان لسلطانه مداريا.