والشرف فيهم. ولكنّ الله منع نبيّه صلى الله عليه وسلم ذلك، وجعل الخطّ فيه دنيّة، وصدّ العلم به عن النبوّة. ثم صيّر الملك في ملكه، والشّريف في قومه يتبجّح برداءة الخط، وينبل بشنج الكتاب. وإنّ بعضهم كان يقصد لتقبيح خطه وإن كان حلوا، ويرتفع عن الكتاب بيده- وإن كان ماهرا- وكان ذلك عليه سهلا- فيكلّفه تابعه، ويحتشم من تقليده الخطير من جلسائه.
وكتب أحمد بن يوسف يوما بين يدي المأمون خطّا أعجبه فقال: وددت والله أنّي كتبت مثله وأنّي مغرّم ألف ألف. فقال له أحمد بن يوسف: لا تأس عليه يا أمير المؤمنين، فإنّه لو كان حظّا ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك إنّ سنخ الكتابة بني على أنّه لا يتقلّدها إلّا تابع، ولا يتولّاها إلّا من هو في معنى الخادم. ولم نر عظيما قطّ تولّى كفاية نفسه، أو شارك كاتبه في عمله. وكلّ كاتب فمحكوم عليه بالوفاء، ومطلوب منه الصّبر على اللأواء.
وتلك شروط متنوّعة عليه، ومحنة مستكملة لديه.
وليس للكاتب اشتراط شيء من ذلك، بل يناله الاستبطاء عند أول الزّلّة وإن أكدى، ويدركه العدل بأوّل هفوة وإن لم يرض.
يجب للعبد استزادة السيّد بالشكوى، والاستبدال به إذا اشتهى. وليس للكاتب تقاضى فائته إذا أبطأ، ولا التحوّل عن صاحبه إذا التوى. فأحكامه أحكام الأرقّاء، ومحلّه من الخدمة محل الأغبياء.
ثم هو مع ذلك في الذّروة القصوى من الصّلف، والسّنام الأعلى من البذخ، وفي البحر الطامي من التّيه والسّرف. يتوهّم الواحد منهم إذا عرّض جبّته وطوّل ذيله، وعقص على خدّه صدغه، وتحذف الشابورتين على وجهه، أنّه المتبوع ليس التابع، والمليك فوق المالك.