إبطاله. وأبيّن مع ذلك رداءة مذاهب الكتّاب وأفعالهم، ولؤم طبائعهم وأخلاقهم بما تعلم أنت والناظر في كتابي هذا: أنّي لم أقل إلّا بعد الحجّة، ولم أحتجّ إلّا مع ظهور العلّة، ثم أستشهد مع ذلك الأضداد تبيانا، وأجمع عليه الأعداء إنصافا، إذ كان في ذلك من التبيان ما يبهرهم، ومن القول ما يسكتهم.
ثم أقول: ما ظنّك بقوم منهم أوّل مرتّدّ كان في الإسلام، كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخالف في كتابه إملاءه، فأنزل الله فيه آيات من القرآن نهى فيه عن اتخاذه كاتبا، فهرب حتّى مات بجزيرة العرب كافرا، وهو عبد الله بن أبي سرح.
ثم استكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده معاوية بن أبي سفيان، فكان أوّل من غدر في الإسلام بإمامه، وحاول نقض عرى الإيمان بأثامه.
وكتب عثمان بن عفّان لأبي بكر رضوان الله عليهما- مع طهارة أخلاقه وفضائل أيّامه- فلم يمت حتى أداه عرق الكتابة إلى ذمّ من ذمّه من أوليائه.
ثم كتب لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه زياد بن أبيه، فانعكس شرّ ناشيء في الإسلام، نقضت بدعوته السّنّة، وظهرت في أيّام ولايته بالعراق الجبرية.
ثم كتب لعثمان بن عفان رضي الله عنه مروان بن الحكم، فخانه في خاتمه، وأشعل الرّعيّة حربا عليه في ملكه.
ثم أفضى الأمر إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عنه، فتبيّن من البصيرة في الكتّاب ما لم ير التنويه بذكر كاتب حتّى مات.
ولو كانت الكتابة شريفة والخطّ فضيلة كان أحقّ الخلق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أولى الناس ببلوغ الغاية فيها ساداتهم وذوو القدر