وقلت وذكرت أن البنويّ قال:
أنا أصلي خراسان، وهي مخرج الدّولة ومطلع الدّعوة؛ ومنها نجم هذا القرن، وصبأ هذا الناب، وتفجّر هذا الينبوع، واستفاض هذا البحر، حتى ضرب الحقّ بجرانه، وطبّق الآفاق بضيائه، فأبرأ من السّقم القديم، وشفى من الداء العضال، وأغنى من العيلة، وبصّر من العمى قال: وفرعى بغداد، وهي مستقرّ الخلافة، والقرار بعد الحولة، وفيها بقيّة رجال الدعوة، وابناء الشّيعة، وهي خراسان العراق؛ وبيت الخلافة، وموضع المادّة.
قال: وأنا أعرق في هذا الأمر من أبي، وأكثر تردادا فيه من جدّي، وأحقّ في هذا الفضل من المولى والعربيّ. ولنا بعد في انفسنا ما لا ينكر من الصبر تحت ظلال السّيوف القصار والرّماح الطوال. [ولنا معانقة الأبطال عند تحطّم القنا وانقطاع الصفائح. ولنا المواجأة بالسكاكين، وتلقي الخناجر بالعيون، ونحن حماة المستلحم؛ وأبناء المضايق. ونحن أهل الثبات عند الجولة، والمعرفة عند الحيرة، وأصحاب المشهّرات، وزينة العساكر وحلى الجيوش، ومن يمشي في الرّمح، ويختال بين الصّفّين. ونحن اصحاب الفتك والإقدام، ولنا بعد التسلّق، ونقب المدن، والتقحّم على ظبات السّيوف وأطراف الرّماح، ورضخ الجندل، وهشم العمد، والصبر على الجراح وعلى جرّ السّلاح إذا طار قلب الأعرابيّ، وساء ظنّ الخراساني. ثم الصّبر تحت العقوبة، والاحتجاج عند المساءلة، واجتماع العقل، وصحّة الطّرف، وثبات القدمين، وقلّة التكفّي بحبل العقابين، والبعد من الإقرار، وقلّة الخضوع للدهر والخضوع عند جفوة الزّوار وجفاء الأقارب والإخوان.
ولنا القتال عند أبواب الخنادق، ورؤوس القناطر. ونحن الموت الأحمر