الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما، وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل ورد النصوص، ولو كان كما تقولون وما تصفون ما كان سبيل الأمة فيهما إلا كسبيلها فيه، وعثمان كان أعز نفرا، وأشرف رهطا، وأكثر عددا وثروة وأقوى عدة؟

قلنا: إنهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا النصوص، ولكنهما بعد اقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة، ادعيا رواية وتحدثا بحديث لم يكن محالا كونه ولا ممتنعا في حجج العقول مجيئه، وشهد لهما عليه من علته مثل علتهما فيه، ولعل بعضهم كان يرى تصديق الرجل إذ كان عدلا في رهطه مأمونا في ظاهره، ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة ولا جرب عليه غدرة، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن وتعديل الشاهد، ولأنه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج والذي يقطع بشهادته على الغيب، وكان ذلك شبهة على أكثرهم.

فلذلك قلّ النكير وتواكل الناس فاشتبه الأمر فصار لا يتخلص إلى معرفة حق ذلك من باطله إلا العالم المتقدم، أو المؤيد المرشد. ولأنه لم يكن لعثمان في صدور العوام وقلوب السفلة والطغام ما كان لهما من المحبة والهيبة، ولأنهما كانا أقل استئثارا بالفيء وتفضلا بمال الله منه. ومن شأن الناس إهمال السلطان ما وفر عليهم أموالهم ولم يستأثر بخراجهم ولم يعطل ثغورهم، ولأن الذي صنع أبو بكر من منع العترة حقها والعمومة ميراثها قد كان موافقا لجلة قريش وكبراء العرب، ولأن عثمان أيضا كان مضعوفا في نفسه مستخفا بقدره لا يمنع ضيما ولا يقمع عدوا، ولقد وثب ناس على عثمان بالشتم والقذع والتشنيع والنكير لأمور لو أتى أضعافها وبلغ أقصاها لما اجترأوا على اغتيابه فضلا على مباداته والإغراء به ومواجهته، كما أغلظ عيينة بن حصن له فقال له: أما لو كان عمر لقمعك ومنعك! فقال عيينة: إن عمر كان خيرا لي منك، رهبني فاتقاني وأعطاني فاغناني.

والعجب أنا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصومه ما هو أقرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015