فان قالوا: كيف تظن به ظلمها والتعدي عليها، وكلما ازدادت عليه غلظة ازداد لها لينا ورقة، حيث تقول له: والله لا أكلمك أبدا فيقول والله لا أهجرك أبدا. ثم تقول والله لأدعون الله عليك فيقول والله لأدعون الله لك.
ثم يتحمل منها هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والتنزيه وما يجب لها من الرفعة والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا متقربا كلام المعظم لحقها، المكبر لمقامها الصائن لوجهها، المتحن عليها. ما أحد أعز عليّ منك فقرا ولا أحب إلي منك غنى! ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة» ؟.
قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من الجور، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريبا وللخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم وذلة المنتصف وحدب الوامق ومقة المحق. وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة وقد زعمتم أن عمر قال على منبره: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، متعة النساء ومتعة الحج، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، فما وجدتم أحدا أنكر قوله ولا استشنع مخرج نهيه ولا خطأه في معناه ولا تعجب منه ولا استفهمه؟ وكيف تقضون بترك النكير، وقد شهد عمر يوم السقيفة وبعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأئمة من قريش» . ثم قال في شكاته: لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه شك. حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين جعلهم شورى! وسالم عبد لامرأة من الأنصار وهي أعتقته وحازت ميراثه. ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ولا قابل إنسان بين قوله ولا تعجب منه! وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلا على صدق قوله وصواب عمله، فأما ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي والقتل والاستحياء والحبس والاطلاق، فليس بحجة تشفى ولا دلالة تضيء.
وقال آخرون: بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما إمساك