ثم سار صلاح الدين إلى أعماق طبرية وصور وبيروت، وأنزل بالصليبيين الذين احتلوها الهلاك وبحصونها الدمار، وثل عروشها. وأحل بالكفار الهزيمة المنكرة في ثلاثة أيام وهو في طريقه إلى دمشق.

وعاد السلطان صلاح الدين إلى دمشق في يوم الخميس 19 ربيع الآخر سنة 575 هـ= 29 سبتمبر 1180 م بالنصر الظاهر. والظفر الباهر. فمدحه عدة من الأمراء والشعراء وهنأوه بالفتح1.

والقاضي الفاضل يشيد بهذا الفتح الذي يعد فتوحا، قد ضاعف الله بها بهاء الإسلام والملة، وأن هذا الفتح كليلة القدر جمالا وبهاء وقدسية، وأنه قام مقام تجديد شباب الإسلام بل مقام مولده.

ثم يعرج إلى مدح الخليفة العباسي من خلال تمجيده لهذا الفتح، فمن ذلك قوله:

"وقد تخير الله له- أي الفتح- أفضل زمان، وتخير للزمن أفضل قائم، واشتملت أيامه على فتوحات يوصل منها كل خال بتال، ويتجدد منها كل قديم بقادم2.

ويحسن القاضي الفاضل الانتقال إلى. موضوع قلج أرسلان إذ يقول: "وسقط جوده الفائض غرس إحسانه، بأعذب وأطهر من سلالة الغمائم، فلا يزال ذلك الغرس مستثمراً لا تخلف دلالته، وذلك الصفو جمالاً ينزف زلالته، غير أن الشوائب لا يخلو منها دهر، والعوارض لا يصفو منها صدر3".

فقد كان قلج أرسلان سلطان السلاجقة بالروم، وأولياؤه بآسيا الصغرى ممن يكرهون قيام دولة كبيرة على أنقاض الدولة النورية4.

فبينما كان السلطان صلاح الدين مشغولا بالصليبيين، تحرك قلج أرسلان نحو حلب، وحاصر حصن رعبان مدعياً أن نور الدين اغتصبه منه، وأن السلطان الصالح إسماعيل أمر برده إليه، ولم يقم صلاح الدين وزنا لهذا الادعاء، فكلف ابن أخيه تقي الدين عمر والأمير سيف الدين مشطوب بصده، وقد نجحا في مهمتهما، وقضيا على مطامعه التوسعية في تلك الجهة5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015