ويوضح القاضي الفاضل أن السلطان صلاح الدين قضى بذلك على تطرف قلج أَرسلان وتطرفه في ادعائه المذكور، وأنه قطع عروة تعلقه بالفساد وبدد أحلامه التوسعية.
ولم يكن أمام السلطان صلاح الدين غير هذا السبيل، فقد أتى قلج أرسلان بكبيرة يحل بها قتاله، وأقدم على عظيمة يجب بها استئصاله. وتوجب الضرورة حينئذ موادعة الكفار ليكون الذرع خاليا لأمره، والأمر مصروفاً عنانه إلى عقره، والرمح مسدداً سنانه إلى عقره1.
والقاضي الفاضل يستكثر من قلج أرسلان أن يهاجم سلطنة صلاح الدين القاهرة، التي لم تجد خصما يقهرها، وينزل بأرضها. ولذا فقد قرر السلطان صلاح الدين أن يمهل العدو الصليبي، إلى أن يؤدب هذا المعتدي الباغي، الذي يشق عصا الطاعة على الإسلام بتعديه وظلمه.
وقبل أن تنتهي هذه الرسالة يرد ذكر قاض كريم الخلال قائم بتبليغ هذه البشارة، ولكن لم يذكر اسمه، وإن كانت قد تحددت المهمة المنوطة به، فهو نائب عن السلطان صلاح الدين يشرح بلسانه ما جاء في الرسالة، والتعليق على بنودها من عنده. وعليه أن يؤدي تحية الخلافة والثناء للخليفة.
وتختم هذه الرسالة بالدعاء هكذا: ((لازال المجلس السامي معان2 الأماني ومأواها.
وموئل الرغبات ومثواها، ومجتبي ثمرات السعود ومجتلاها، وملقي رحال الندى ومبتداها إن شاء الله3.
رسالة عن فتح آمد:
وهذه الرسالة الطويلة كباقي الرسائل من هذا النوع، الذي يرسله القاضي الفاضل إلى الخلافة العباسية، كتذكرة بالأمجاد التي يؤديها السلطان صلاح الدين. ويطلب في أثنائها مجازاته بتقليده ما يفتحه من البلاد.
وهو في مقدمتها يمدح الخليفة العباسي، الذي امتد نفوذه، واشتد سلطانه فالأخبار تتوالى عنده مبشرة بانتصار أوليائه.
ثم يصف القاضي الفاضل شعور السلطان صلاح الدين عند ورود التقليد إليه بولاية آمد. فقد فرح به وتناوله وكأنه كتاب أنزل من السماء أو نور يمشي به بين الناس، وسار