بسلاحها، أو كأنها لكثرة ريش السهام طائرة بجناحها، أو كأنها صدور قد أظهرت حسك1 الضغائن، أَو كأن أبرجتها لازدحام السهام بها كتائن2، فنجدد عليهم حصر بان في البيوت بعد الحصر في المدينة، وضاق مجال اليد عن أنجاد خواطرها اللعينة المبينة، وفي الحال هجم الأولياء على الحوش، وحازوا الخندق وأطلقوا النيران فتبسطت خطواتها، وتسلطت سطواتها، وأحاطت بالأعداء خطياتها"3.

ولم ير الصليبيون بداً من النجاة بأنفسهم إلى أسوار الحصن ليحموا أنفسهم وحصنهم حتى يأتي إليهم المدد من طبرية، غير أن المسلمين ألحوا في القتال رغبة في الوصول إلى نتيجة حاسمة قبل وصول المدد، وأدرك الليل قبل أن تتضح النتيجة فأمر السلطان صلاح الدين بالمبيت في الباشورة إلى الغد، وفي الصباح باشر النقابون تنقيبهم في أسوار الحصن وهي بالغة الفخامة. حتى بلغ طول النقب ثلاثين ذراعا في عرض ثلاثة أذرع، وحشى النقب بالحطب، وأشعلت فيه النيران فلم يسقط أيضاً. ولذا أمر السلطان صلاح الدين بإطفاء النار ليتم نقبه، وعاد النقابون إلى عملهم حتى خرَقوا السير وعمقوا الخرق، ثم حشوه بالقش والحطب وأشعلوا النار، فسقط السور يوم الخميس 24 ربيع الأول سنة 575 هـ= 30 أغسطس 1179 م. وكان الصليبيون قد جمعوا وراءه حطباً، فلما وقع السور دخلت الرياح فردت النار على من به، وأحرقت بيوتهم وطائفة منهم، واجتمع الباقون إلى الجانب البعيد من النار وطلبوا الأمان فأمنهم صلاح الدين. وغنم المسلمون مائة ألف قطعة من الحديد من جميع أنواع الأسلحة، عدا ألف زردية، فضلا عما كان في الحصن من أقوات كان الصليبيون قد اختزنوها استعدادا لمقاومة طويلة.

ووجد السلطان صلاح الدين بداخل الحصن من أسرى المسلمين ما يزيد على مائة رجل، فأمر بنزع القيود من أرجلهم، ووضعها في أرجل الصليبيين المأسورين البالغ عددهم نحو السبعمائة.

وتقدم السلطان صلاح الدين فاقتلع بيده الأحجار من أسها، ومحا حروف البنيان من طرسها، وطم جب الماء الذي حفره الصليبيون وسط الحصن، بأن ألقى فيه القتلى من الصليبيين والمحترق من دوابهم، واستمر مقامه ثلاثة أيام، إلى أن دمر ما كانوا يصنعون. وأعز الله الإسلام، وأمر أمره، ونصر الإيمان، وكان حقاً على الله نصره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015