حِجْرٍ
- لأنّه يزمّ اللسان ويخطمه، ويشكله ويربثه، ويقيّد الفضل ويعقله عن أن يمضى فرطا في سبيل الجهل والخطأ والمضرّة، كما يعقل البعير، ويحجر على اليتيم.
وإنّما اللسان ترجمان القلب، والقلب خزانة مستحفظة للخواطر والأسرار، وكلّ ما يعيه [من] ذلك عن الحواسّ من خير وشرّ، وما تولّده الشّهوات والأهواء، وتنتجه الحكمة والعلم.
ومن شأن الصدر- على أنه ليس وعاء للأجرام، وإنّما يعى بقدرة [من] الله لا يعرف العباد كيف هي- أن يضيق بما فيه، ويستثقل ما حمل منه، فيستريح الى نبذه، ويلذّ إلقاءه على اللسن. ثم لا يكاد أن يشفيه أن يخاطب به نفسه في خلواته حتى يفضي به الى غيره ممن لا يرعاه ولا يحوطه. كلّ ذلك ما دام الهوى مستوليا على اللّسان، واستعمل فضول النّظر فدعت الى فضول القول.
فإذا قهر الرأي الهوى فاستولى على اللسان، منعه من تلك العادة، وردّه عن تلك الدّربة، وجشّمه مؤونة الصّبر على ستر الحلم والحكمة.
ولا شيء أعجب من أنّ المنطق أحد مواهب الله العظام، ونعمه الجسام، وأن صاحبها مسؤول عنها، ومحاسب على ما خوّل منها، أوجب الله عليه استعمالها في ذكره وطاعته، والقيام بقسطه وحجّته، ووضعها مواضع النّفع في الدين والدنيا، والإنفاق منها بالمعروف لفظة لفظة، وصرفها عن أضدادها.
فلم يرض الإنسان أن عطّلها عمّا خلقت له مما ينفعه حتّى استعملها في ضدّ ذلك مما يضرّه، فاجتمع عليه الإثمان اللذان اجتمعا على صاحب المال الذي كنزه ومنعه من حقّه، فوجب عليه إثم المنع وإن كان لم يصرفه