في معصية، ثم صرفه في أبواب الباطل والفسق فوجب عليه إثم الإنفاق فيها. وهذه غاية الغبن والخسران. نعوذ بالله منهما.
فاللسان أداة مستعملة، لا حمد له ولا ذمّ عليه، وإنما الحمد للحلم واللّوم على الجهل. فالحلم هو الاسم الجامع لكلّ فضل، وهو سلطان العقل القامع للهوى. فليس قمع الغضب وتسكين قوة الشّرّة، وإسقاط طائر الخرق بأحقّ بهذا الاسم، ولا أولى بهذا الرسم، من قمع فرط الرضا وغلبة الشهوات، والمنع من سوء الفرح والبطر، ومن سوء الجزع والهلع، وسرعة الحمد والذم، وسوء الطّبع والجشع، وسوء مناهزة الفرصة، وفرط الحرص على الطّلبة، وشدّة الحنين والرقّة، وكثرة الشكوى والأسف، وقرب وقت الرضا من وقت السّخط، ووقت التسخط من وقت الرضا، ومن اتّفاق حركات اللسان والبدن على غير وزن معلوم ولا تقدير موصوف، وفي غير نفع ولا جدوى.
واعلم يقينا أن الصّمت سرمدا أبدا، أسهل مراما- على ما فيه من المشقّة- من إطلاق اللسان بالقول على جهة التحصيل والتمييز، والقصد للصّواب، لما قدّمنا ذكره من علة مجاذبة الطّباع، ولأنّ من طبع الإنسان محبة الإخبار والاستخبار. وبهذه الجبلّة التي جبل عليها الناس نقلت الأخبار عن الماضين الى الباقين، عن الغائب الى الشاهد، وأحبّ الناس أن ينقل عنهم، ونقشوا خواطرهم في الصّخور، واحتالوا لنشر كلامهم بصنوف الحيل. وبذلك ثبتت حجّة الله على من لم يشاهد مخارج الأنبياء، ولم يحضر آيات الرّسل، وقام مجيء الأخبار عن غير تشاعر ولا تواطؤ مقام العيان، وعرفت البلدان والأقطار والأمم والتجارات والتدبيرات والعلامات، وصار ما ينقله الناس بعضهم عن بعض ذريعة الى قبول الإخبار عن الرسل، وسلّما الى التصديق،