والعمل فرع، والعلم والد العمل مولود، وكان العمل لمكان العلم ولم يكن العلم لمكان العمل. فالسبب الجالب خير من السبب المجلوب، والغالب خير من المغلوب. وانظر في قول اقليمون: ألعلم كان من العمل والعمل غاية، والعلم رائد والعمل مرشد. ثم انظر في قول ارسطاطاليس: ليس طلبي العلم طمعا في بلوغ قاصيته ولا سبيلا إلى غايته ولكن التمس ما لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه. ثم انظر في قوله: قد عرفت الارتماطيقى، وأيقنت معرفة الموسيقى، وعرفت المساحة، فلم يبق إلا علم الآلهي ومعرفة الاصلاح. ثم انظر في قول مورسطوس: عرفت أكثر المقصود وأقل ما يوقف عليه من المبسوط، وقليل الكثير كثير، وكثير القليل كثير.

ثم انظر في قول اقليمون: ما أقل منفعة كثير المعرفة مع شرف الطبيعة واقتصاد الشهوة. ثم انظر في قول تلميذه الأول: غلبة الطبيعة تبطل المعرفة وتنسى العاقبة ولو كانت المعرفة ثابتة لكانت هي الغالبة. ثم انظر في قول تلميذه الثاني: ليس بعلم ما كان مغلوبا وليس بفهم ما كان مغمورا بل لا يكون مغلوبا إلا بالنقص والخبال ولا مغمورا إلا بالغلبة والانتقاض. ثم انظر في قول ما سرجس: من قصر عن طلب العلم لرغبة أو رهبة أو منافسة أو شهرة. كان حظه من الرغبة وحظه من الرهبة على مقدار حق الرهبة. ومن طلب العلم لكرم العلم والتمسه لفضل الإستبانة كان حظه منه بقدر كرمه وقدره، وانتفاعه به على حسب استحقاقه في نفسه.

وقد اختلفوا في العقل بأكثر من اختلافهم في العلم، فمنعني من ذكره لك غموضه عليك واستتاره عنك، وعلمت أني لا أقدر أن أصوره لك دون دهر طويل، ولا أضمنك معناه دون تربيب كثير.

[41- فوائد هذا الكتاب]

هذا الكتاب مرض مع ما فيه من الأخلاط من أشكال وأضداد، ومن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015