الجد والهزل، ومن الحظر والإطلاق، ومن الاستئناف والقطع، ومن التحفظ والتضييع، ومن التثبيت والتهاون، إذا أريد به تقريع معجب أو تكشيف مموه، أو امتحان مشكل، أو تخجيل وقاح، أو قمع ممار، أو ممازحة ظريف، أو مساءلة عالم، أو مدارسة حافظ، أو تنبيها على الطريق، أو تجديدا للذهن.
والعقل حفظك الله أطول رقدة من العين، وأحوج الى الشحذ من السيف، وأفقر الى التعهد، وأسرع الى التغير، وأدواؤه أقتل، وأطباؤه أقل، وعلاجه أعضل. فمن تداركه قبل التفاقم أدرك أكثر حاجته، ومن رامه بعد التفاقم لم يدرك شيئا من حاجته. ومن أكبر أسباب العلم كثرة الخواطر ثم معرفة وجوه المطالب، ثم في الخواطر الغث والسمين، والفاسد والصحيح والمسرع إليك والبطيء عنك، والدقيق الذي لا يكاد يفهم، والجليل الذي لا يلقى الفهم. ثم هي على طبقاتها في التقديم والتأخير، وعلى منازلها في التباين والتمييز. والمطالب طرق، ولدرك الحقائق أبواب، فمن أخطأها وانتظر كان أسوأ حالا ممن لم يخطئها ولم ينتظر. وعلى قدر صحة العقل يصح الخاطر، وعلى قدر التفرغ يكون التنبه- هذا جماع هذا الباب وجمهوره وأقسامه وجملته. ثم من أنفع أسبابه الحفظ لما قد حصل والتقييد لما ورد والانتظار لما يرد أن لا تخلي نفسك من الفكرة إلا بقدر جمام الطبيعة، وأن تعلم أن مكان الدرس من الحفظ كمكان الحفظ من العلم، وأن تعرف فضل ما بين طلب العلم للمنافسة والشهرة وبين طلبه للرغبة والرهبة، وأن تعلم أن العلم لا يجود بمكنونه ولا يسمح بسره ومخزونه إلا لمن رغب فيه لكرم عنصره، وفضله لحقيقة جوهره، ورفعه عن التكسب وصانه عن التبذل، وأنه لا يعطيك خالص الحكمة حتى تعطيه خالص المحبة. وكان يقال: من شاب