الكذّابين على كذبهم كان شريكهم في إثمهم، وشقيقهم في سخفهم، بل كان المحتقب لكبره، المحتمل لوزره، إذ كان المثيب عليه والداعي إليه.

معاذ الله أن نقول إلّا معروفا غير مجهول، ونصف إلّا صحيحا غير مدخول، أو نكون ممن يتودّد بالملق، ويتقحّم على أهل الأقدار شرها إلى مال، أو حرصا على تقريب. وأبعد الله الحرص وأخزى الشّره والطّمع! فإن شكّ شاكّ أو توقّف مرتاب فليعترض العامّة. وليتصفّح ما عند الخاصّة حتّى يتبيّن الصّبح.

[3- الممدوح يجمع الطارف والتليد]

وقالوا في تأديب الولاة وتقديم تدبير الكفاة: «إذا أبردتم البريد فاجعلوه حسن الوجه، حسن الاسم» . فكيف إذا قارن حسن الوجه وحسن الاسم كرم الضّريبة، وشرف العرق.

وأعيان الأعراق الكريمة، والأخلاق الشريفة، إذا استجمعت هذا الاستجماع، وإقترنت هذا الاقتران، كان أتمّ للنّعمة، وأبرع للفضيلة وكانت الوسيلة إليها أسهل، والمأخذ نحوها أقرب، والأسباب أمتن.

فإذا انتظمت في هذا السّلك، وجمعها هذا النّظم، كان الذي يبرد البريد أولى بها من البريد، وكان مقوّم البلاد أحقّ بها من حاشيته الكفاة، إذ التأميل لا يجمع أوجه الصّواب، ولا يحصي مخارج الأسباب، ولا يظهر برهانه ويقوى سلطانه، حتّى يصيب المعدن. ولن يكون موضع الرّغبة معدنا إلّا بعد اشتماله على ترادف خصال الشّرف وبعد أن يتوافى إليه معاني الكرم بالأعراق الكريمة، والعادات الحسنة، على حادث يشهد لمتقادم، وطارف يدلّ على تالد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015