[4- لا خير في صاحب لا يساعد صاحبه اذا خلصت المودة]

وأنا أقول بعد هذا كلّه: لو لم أضمر لكم محبّة قديمة، ولم أضر بكم بشفيع من المشاكلة، ولا سبب الأديب إلى الأديب، ولم يكن عليّ قبول، ولا عليّ حلاوة عند المحصول، ولم أكن إلّا رجلا من عرض المعارف، ومن جمهور الأتباع- لكان في إحسانكم إلينا، وإنعامكم علينا، دليل على أنا قد أخلصنا المحبّة، وأصفينا لكم المودّة.

وإذا عرفتم ذلك بالدليل النّيّر الذي أنتم سببه، والبرهان الواضح الذي إليكم مرجعه، لم يكن لنا عند الناس إلّا توقّع ثمرة الحبّ، ونتيجة جميل الرّأي، وانتظار ما عليه مجازاة القلوب.

وبقدر الإنعام تجود النّفوس بالمودّة، وبقدر المودّة تنطلق الألسن بالمدحة.

وهذه الوسيلة أكثر الوسائل وأقواها في نفسي: أنّي لم أصل بي بمحّرم غمر ولا بمبخّل غفل، ولا بضيّق العطن حديث الغنى ولا بزمر المروّة مستنبط الثّرى، بل وصلته بحمّال أثقال ومقارع أبطال، وبمن ولد في اليسر وربي فيه، وجرى منه على عرق ونزع إليه.

فصل منه: ولا خير في سمين لا يحتمل هزال أخيه، وصحيح لا يجبر كسر صاحبه.

فصل منه: وقد تنقسم المودّة إلى ثلاث منازل:

منها: ما يكون على اهتزاز الأريحيّة وطبع الحرّيّة.

ومنها: ما يكون على قدر فرط وسائل الفاقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015