الغباوة أفطن، والرديّ أجود، والأنوك أحزم، والمضيّع أحكم. إذ كان غرضه الذي إيّاه يرمي، وغايته التي إليها يجري، الانتفاع بالمعنى المتخيّر دون المباهاة باللّفظ، وإنّما كان غايته إيصال المعنى إلى القلب دون نصيب السّمع من اللفظ المونق أو المعنى المتخيّر، بل ربّما لم يرض باللّفظ السّليم حتّى يسقمه ليقع العجز موقع القوّة، ويعرض العيّ في محلّ البلاغة. إذا كان حقّ ذلك المكان اللّفظ الدّون، والمعنى الغفل.

هذا إذا كان صاحب القصّة ومؤلّف لفظ المحل والسّعاية، ممّن يتصرّف قلمه، ويعلّل لسانه، ويلتزق في مذاهبه، ويكون في سعة وحلّ لأن يحطّ نفسه إلى طبقة الذّلّ وهو عزيز، ومحلّ العيّ وهو بليغ، ويتحوّل في هيئة المظلوم وهو ظالم، ويمكنه تصوير الباطل في صورة الحقّ، وستر العيوب بزخرف القول، وإذا شاء طفا، وإذا شاء رسب، وإذا شاء أخرجه غفلا صحيحا.

وما أكثر من لا يحسن إلّا الجيّد، فإن طلب الردىّ جاوزه. كما أنّه ما أكثر من لا يستطيع إلا الردىّ، فإن طلب الجيّد قصّر عنه.

وليس كلّ بليغ يكون بذلك الطّباع، وميسّر الأداة وموسّعا عليه في تصريف اللّسان، وممنونا عليه في تحويل القلم.

وما أكثر من البصراء من يحكي العميان، ويحوّل لسانه إلى صورة لفظ الفأفاء بما لا يبلغه الفأفاء ولا يحسنه التّمتام. وقد نجد من هو أبسط لسانا وأبلغ قلما، لا يستطيع مجاوزة ما يشركه، والخروج مما قصّر عنه.

فصل منه: ولولا الحدود المحصّلة والأقسام المعدّلة، لكانت الأمور سدى، والتّدابير مهملة، ولكانت عورة الحكيم بادية، ولاختلطت السافلة بالعالية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015