ومنها: ما يحسن موقعه على قدر طباع الحرص وجشع النّفس.

فأرفعها منازل حبّ المشغوف شكر النّعمة. وهو الذي يدوم شكره، ويبقى على الأيام ودّه. والثاني هو الذي إنّما اشتدّ حبّه على قدر موضع المال من قلب الحريص الجشع، واللّئيم الطّمع. فهذا الذي لا يشكر، وإن شكر لم يشكر إلّا ليستزيد، ولم يمدح إلّا ليستمدّ. وعلى أنّه لا يأتي الحمد إلّا زحفا، ولا يفعله إلّا تكلّفا.

وأنا أسأل الله الذي قسم له أفضل الحظوظ في الإنعام، أن يقسم لنا أفضل الحظوظ في الشّكر. وما غاية قولنا هذا ومدار أمرنا إلّا على طاعة توجب الدّعاء، وحرّيّة توجب الثّناء، شاكرين كنّا أو منعمين، وراجين كنّا أو مرجويّن.

ومن صرف الله حاجته إلى الكرام، وعدل به عن اللّئام فلا يعدّنّ نفسه في الرّاغبين ولا في الطّالبين المؤمّلين، لأنّ من لم يجرع مرارة المطال، ولم يمدّ للرّحيل التّسويف، ويقطع عنقه بطول الانتظار، ويحمل مكروه ذلّ السؤال، ويحمل على طمع يحثّه يأس، كان خارجا من حدود المؤمّلين.

ومن استولى على طمعه الثّقة بالإنجاز، وعلى طلبته اليقين بسرعة الظّفر، وعلى ظفره الجزيل من الإفضال، وعلى إفضاله العلم بقلّة التثريب، وبالسّلامة من التّنغيص بالتماس الشكر، وبالبكور وبالرّواح وبالخضوع إذا دخل، والاستكانة إذا جلس. ثم مع ذلك لم يكن ما أنعم به عليه ثوابا لسالف يد، ولا تعويضا من كدّ، كانت النعمة محضة خالصة، ومهذّبة صافية، وهي نعمتكم التي ابتدأتمونا بها.

ولا تكون النّعمة سابغة ولا الأيدي شاملة، ولا السّتر كثيفا ذيّالا، وكثير العرض مطبقا، ودون الفقر حاجزا، وعلى الغنى ملتحفا، حتّى يخرج من عندكم، ثم يحتسب إلى شاكر حرّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015