النّفوس مع أوّل لحظة، ثم اتّفاق الأسباب التي تقع بالموافقة عند أوّل المجالسة، وتلاقي النّفوس بالمشاكلة عند أوّل الخلطة.
والأدب أدبان: أدب خلق، وأدب رواية ولا تكمل أمور صاحب الأدب إلّا بهما، ولا يجتمع له أسباب التّمام إلّا من أجلهما، ولا يعدّ في الرّؤساء، ولا يثنى به الخنصر في الأدباء، حتّى يكون عقله المتأمّر عليهما، والسائس لهما.
فصل منه: فإن تمّت بعد ذلك أسباب الملاقاة تمت المصافاة، وحنّ الإلف إلى سكنه. والشّأن قبل ذلك لما يسبق إلى القلب، ويخفّ على النّفس، ولذلك احترس الحازم المستعدى عليه من السّابق إلى قلب الحاكم عليه.
وكذلك التمسوا الرّفق والتّوفيق، والإيجاز وحسن الاختصار، وانخفاض الصّوت، وأن يخرج الظّالم كلامه مخرج لفظ المظلوم:
نعم، وحتّى يترك اللّحن بحجّته بعد، ويخلّف الدّاهية كثيرا من أدبه، ويغضّ من محاسن منطقه، التماسا لمواساة خصمه في ضعف الحيلة، والتشبّه به في قلّة الفطنة.
نعم، وحتّى يكتب كتاب سعاية ومحل وإغراق وتحدّ، فيلحن في إعرابه، ويستخف في ألفاظه، ويتجنّب القصد، ويهرب من اللّفظ المعجب ليخفي مكان حذقه، ويستر موضع رفقه، حتّى لا يحترس منه الخصم، ولا يتحفّظ منه صاحب الحكم، بعد أن لا يضرّ بعين معناه، ولا يقصّر في الإفصاح عن تفسير مغزاه، وهذا هو الموضع الذي يكون العيّ فيه أبين، وذو