ومما يستديم الخطأ لبث التّقصير وإهمال النّفس، وترك التوقّف، وقلّة المحاسبة، وبعد العهد بالتثبّت. ومهما رجعنا إليه من ضعف في عزم، وهان علينا ما نفقد من مناقل الحلم، فإنّا لا نجمع بين التّقصير والإنكار.
ونعوذ بالله أن نقصّر في ثناء على محسن، أو دعاء لمنعم. ولئن اعتذرنا لأنفسنا بصدق المودّة- وبجميل الذّكر، فلما يعدّ لكم، من تحقّق الآمال، والنّهوض بالأثقال أكثر.
على أنّكم لم تحملونا إلّا الخفّ، وقد حمّلناكم الثّقل. ولم تسألونا الجزاء على إحسانكم، وقد سألناكم الجزاء على ما سألناكم. ولم تكلّفونا ما يجب لكم، وكلّفناكم ما لا يجب.
ومن إفراط الجهل أن نتذكّر حقّنا في حسن الظّنّ، ولا نتذكّر حقّكم في تصديق ذلك الظّنّ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما عظمت نعمة الله على أحد إلّا عظمت عليه مؤونة النّاس» .
وأنا أسأل الله الذي ألزمكم المؤن الثّقال، ووصل بكم آمال الرّجال، وامتحنكم بالصّبر على تجرّع المرار، وكلّفكم مفارقة المحبوب من الأموال، أن يسهّلها عليكم، ويحبّبها إليكم، حتّى يكون شغفكم بالإحسان الداعي.
إليه، وصبابتكم بالمعروف الحامل عليه، وحتّى يكون حبّ التفضّل والمحبّة لاعتقاد المنن الغاية التي تستدعي المدبّر، والنهاية التي تعذر المقصّر، وحتى تكرهوا الى الخير من أخطأ حظّه، وتفتحوا باب الطّلب لمن قصّر به العجز.
ثم اعلم- أصلحك الله- أنّ الذي وجد في العبرة، وجرت عليه التّجرية، واتّسق به النظم، وقام عليه وزن الحكم، واطّرد منه النّسق، وأثبته الفحص، وشهدت له العقول، أنّ من أوّل أسباب الخلطة، والدّواعي إلى المحبّة، ما يوجد الى بعض النّاس من القبول عند أوّل وهلة وقلّة انقباض