ويقال: الحسد لا يبدو إلّا في العين وعلى اللسان المقصور عند أهله المؤتلفين على ... والعداوة تبدو وتنجم قرونها وينبسط لسانها عند الموافقين له والمخالفين عليه.

وسئل خالد بن صفوان عن شبيب بن شيبة فقال: ذاك امرؤ سيط بالحسد وجبل عليه، فليس له أخ في السرّ ولا عدوّ في العلانية.

وسئل العتّابي عن أهل بغداد فقال: حسّاد، إخوان العلانية، وأعداء السّريرة، يعطونك الكلّ ويمنعونك القلّ.

ومما يدلّك على أنّ الحسد أخسّ وأغبن من العداوة، أنّ الملل كلّها ذمّته وعابته. ولا تعلم أنّ شاذّا من الشواذّ، وشاردا من الشّرّاد، فضلا عن جيل من الأجيال، أمر بالحسد؛ كما قيل: «عاد من عاداك، وقارع بالعداوة أهلها» . ثم عظم شأن العداوة عندهم، وجلّ قدرها لديهم، حتّى اختلفوا في وجوه العمل فيها؛ فمنهم من أمر بها على الحزم والعقل.

وقال الشّعبيّ لبشر بن مروان: لو وجّهت إلى عمرو بن محمد بن عقيل مولى آل الزّبير- وكان شتمه- من يأتيك به سحبا وجرّا! فقال بشر: إنّي مستعمل في عدوّي قول القائل:

وعاد إذا عاديت بالحزم والنّهى ... تنل ظفرا ممن تريد وتغلب

فكان بهذا ممن يرى المعاداة بالحزم، ويغتالها بالعقل والتأنّي.

وكان عروة بن المغيرة يقول: شرّ العداوة ما ستر بالمداراة، وأشقاها للأنفس ما قرع بمثلها باديا. وكان ينشد:

لا أتّقي حسك الضّغائن بالرّقي ... فعل الذليل ولو بقيت وحيدا

لكن أعدّ لها ضغائن مثلها ... حتّى أداوي بالحقود حقودا

كالخمر خير دوائها منها بها ... تشفي السّقيم وتبريء المنجودا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015