لم يبلغ درايته، ولم يحط به علمه، ثم ينسيه جهله الطّعن الذي تقدّم منه فيها، ويحمله نوكه على استعمال معانيها وألفاظها، في كتبه إلى إخوانه وأعوانه الذين شهدوه في أوان طعنه عليها، وحين ثلبه لها.
وقد عرفت حقيقة ما قال يحيى بن خالد بالتّجربة والابتلاء. وإنّي ربّما ألّفت الكتاب المحكم المتقن في الدّين والفقه، والرسائل والسّيرة، والخطب والخراج والأحكام، وسائر فنون الحكمة، وأنسبه إلى نفسي، فيتواطأ على الطّعن فيه جماعة من أهل العلم، بالحسد المركّب فيهم، وهم يعرفون براعته ونصاعته. وأكثر ما يكون هذا منهم إذا كان الكتاب مؤلّفا لملك معه المقدرة على التقديم والتأخير، والحطّ والرّفع، [والترغيب] والترهيب، فإنّهم يهتاجون عند ذلك اهتياج الإبل المغتلمة، فإن أمكنتهم حيلة في إسقاط ذلك الكتاب عند السيّد الذي ألّف له فهو الذي قصدوه وأرادوه، وإن كان السيّد المؤلّف فيه الكتاب نحريرا نقابا، ونقريسا بليغا، وحاذقا فطنا، وأعجزتهم الحيلة، سرقوا معاني ذلك الكتاب وألّفوا من أعراضه وحواشيه كتابا، وأهدوه إلى ملك آخر، ومتّوا إليه به، وهم قد ذمّوه وثلبوه لمّا رأوه منسوبا إليّ، وموسوما بي.
وربّما ألّفت الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه، فأترجمه باسم غيري، وأحيله على من تقدّمني عصره مثل ابن المقفّع والخليل، وسلم صاحب بيت الحكمة، ويحيى بن خالد، والعتّابيّ، ومن أشبه هؤلاء من مؤلّفي الكتب، فيأتيني أولئك القوم بأعيانهم الطاعنون على الكتاب الذي كان