أحكم من هذا الكتاب، لاستنساخ هذا الكتاب وقراءته عليّ، ويكتبونه بخطوطهم، ويصيّرونه إماما يقتدون به، ويتدارسونه بينهم، ويتأدّبون به، ويستعملون ألفاظه ومعانيه في كتبهم وخطاباتهم، ويروونه عنّي لغيرهم من طلّاب ذلك الجنس فتثبت لهم به رياسة، [و] يأتمّ بهم قوم فيه؛ لأنه لم يترجم باسمي، ولم ينسب إلى تأليفي.
ولربّما خرج الكتاب من تحت يدي محصفا كأنّه متن حجر أملس، بمعان لطيفة محكمة، وألفاظ شريفة فصيحة، فأخاف عليه طعن الحاسدين إن أنا نسبته إلى نفسي، وأحسد عليه من أهمّ بنسبته إليه لجودة نظامه وحسن كلامه، فأظهره مبهما غفلا في أعراض أصول الكتب التي لا يعرف وضّاعها، فينهالون عليه انهيال الرّمل، ويستبقون إلى قراءته سباق الخيل يوم الحلبة إلى غايتها.
وحسد الجاهل أهون شوكة وأذلّ محنا، من حسد العارف الفطن؛ لأنّ الحاسد الجاهل يبتدر إلى الطّعن على الكتاب في أوّل وهلة يقرأ عليه، من قبل استتمام قراءته ورقة واحدة؛ ثم لا يرضى بأيسر الطعن وأخفّه حتّى يبلغ منه إلى أشدّه وأغلظه، من قبل أن يقف على فصوله وحدوده. وليس ثلبه مفسّرا مفصّلا، ولكنه يجمل ذلك ويقول: هذا خطأ من أوّله إلى آخره، وباطل من ابتدائه إلى انقضائه، ويحسب أنّه كلما ازداد إغراقا وطعنا وإطنابا في الحمل على واضع الكتاب، كان ذلك أقرب إلى القبول منه. وهو لا يعلم أنّ المستمع إليه إذا ظهر منه على هذه المنزلة استخفّ به، وبكّته بالجهل،