بأفعال العباد. ولا يعادى على فعل الله تباركت أسماؤه ألا ترى أنك لم تسمع أحدا عادى أحدا لأنّه حسن الصورة جميل المحاسن، فصيح اللسان حسن البيان. وقد رأيت حاسد هذه الطبقة وسمعت به، وهم كثير تعرفهم بالخبر والمشاهدة.
فهذا دليل على أن الحسد لا يكون إلّا عن فساد الطبع، واعوجاج التركيب، واضطراب السّوس.
والحسد أخو الكذب، يجريان في مضما واحد؛ فهما أليفان لا يفترقان، وضجيعان لا يتباينان. والعداوة قد تخلو من الكذب؛ ألا ترى أنّ أولياء الله قد عادو أعداء الله إذ لم يستحلّوا أن يكذبوا عليهم؟! والحسد لا يبرأ من البهت، وكيف يبرأ منه وهو عموده الذي عليه يعتمد، وأساسه الذي به البناء يعقد. وأنشد:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... كذبا ورورا إنّه لدميم
والحسد نار وقوده الرّوح، لا تبوخ أبدا أو يفنى الوقود. والحسد لا يبلى إلّا ببلي المحسود أو الحاسد. والعداوة جمر يوقده الغضب، ويطفئه الرّضا.، فهو مؤمّل الرّجوع مرجوّ الإنابة. والحسد جوهر والعداوة اكتساب.
وقال بعضهم: الحسد أنثى، لأنّه ذليل؛ والعداوة ذكر فحل، لأنّها عزيزة.
والحسد وإن كان موكّلا بالأدنى فالأدنى فإنّه لم يعر منه الأبعد فالأبعد.
فقد رأينا وشاهدنا من كان يسكن العراق وينتحل العلم والأدب، انتهى إليه خبر مشارك له في الصناعة من أهل خراسان وجنبة بلخ من اتّساق الرياسة في بلده، وجميل حاله ونبيل محلّه عند أهل مصره، وطاعة العامّة له، وترادف الناس عليه، فطار قلبه فرقا، وأخذته الأرباء، وتنفّس الصّعداء وانتفض