ومن لؤم الحسد أنه موكّل بالأدنى فالأدنى، والأخصّ فالأخصّ. والعداوة وإن كانت تقبّح الحسن فهي دون الحسد؛ لأنّ العدوّ المباين قد يحول وليّا منافقا، كما يحول المولى المنافق عدوّا مباينا.
والحاسد لا يزول عن طريقته إلّا بزوال المحسود عليه عنده. والعداوة تحدث لعلّة، فإذا زالت العلّة زالت معها. والحسد تركيب لعلة يحسد عليها فهو لا يزول إلّا بزوالها. ومن هذا قال معاوية رحمه الله: يمكنني أن أرضي الناس كلّهم إلّا حاسد نعمة، فإنّه لا يرضيه منها إلّا زوالها.
وأعداء النّعمة إذا شوركوا فيها ونالوا منها تزحزحوا عن عداوتها، وكانوا من أهلها المحامين عنها، والدافعين عن حماها.
ومن هذا قال المغيرة بن شعبة: النعمة التي يعاش فيها نعمة محروسة ليس عليها ثائر يغتالها، ولا ذو حسد يحتال في غيرها.
وقال قتيبة بن مسلم: خير الخير وأحصنه خير عيش فيه. وكلّ خير كان يرضخ بذلا كان من المتألف ممنوعا، ومن الغير آمنا.
وحسّاد النعمة إن أعطوا منها وتبحبحوا فيها، ازدادوا عليها غيظا وبها إغراء.
والعداوة تخلق وتملّ، والحسد غضّ جديد، حرم أو أعطي، لا يبيد.
فكل حاسد عدوّ، وليس كل عدوّ بحاسد. وإنّما حمل اليهود على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم- وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أنّه نبيّ صادق ورسول محقّ، يقرأون بعثه في توراتهم، ويتدارسونه في بيت مدراسهم- الحسد، وحجز بين علمائهم والإيمان به، ثم نتج لهم الحسد عداوته.
ومن الدليل على أنّ الحسد آلم وآذى وأوجع وأوضع من العداوة، أنّه مغرى بفعل الله عزّ وجلّ، والعداوة عارية من ذلك لا تّتّصل إذا اتّصلت إلّا