ولعلّ بعض من حوله، أو بعض من يهزل به، ويرتع في عقله ويلهو بلبّه، ويضعه على طبطابة اللّعب، وفي أرجوحة العبث، يوهمه الحسد له على ما يدّعي من ذلك، ويتقدّم إلى آخرين في إيهامهم إياه ذلك، فيزيده فعلهم ضراوة بادّعاء ما ليس معه وهو منه عار. فإذا رجع إلى الحقائق علم أنّ مثله كما قد قيل:

ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ... ويغبط بما في البطن والبطن جائع

وقد قيل: «الذئب يغبط وهو جائع» . فيلتوي في قراءتها، ويقبض لسانه عن بسط ما يحتاج أن ينشره منها، ويقصّر في تفخيم حروفها ولا يملأ فمه منها.

[4- الطاعنون على كتب الجاحظ]

بل لا آمن أن يتجاوز ذلك إلى الطّعن عليها بقول أو إشارة، فيوهم فساد معانيها ويومي إلى سقوط ألفاظها، من غير أن يظهر المعاداة لها، والحسد لمؤلفها، والحمل عليها بقول يكون دليلا على ما يضمر، وهو أبلغ ما يكون من قلب المستمع وأنجعه فيه، فيقع ذلك بخلده. وقد قيل: «من يسمع يخل» .

وليس يقابله أحد بردّ، ولا يوازيه بنزاع، فيزداد نشاطا عندما يرى من خلاء الأمر. وقد قيل: «كلّ مجر في الخلاء يسرّ» وكلّ مناظر متفرّد بالنظر مسرور، وإنّما يعرف جري الخيل عند المسابقة، وبراعة النظر عند المخاصمة.

وقال لي بشر المريسي: عرض كتابي على المأمون في تحليل النّبيذ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015