وعضههم والطّعن عليهم، وجرّأهم على ذلك ما رأوا من صفو ضعفة القلوب واذلّة الناس إليهم، وميل جهلاء الملوك معهم عليهم، وأمّلوا أن ينالوا بذلك بشاشة العامة، وتستوي لهم الرّياسة على طغام الناس ورعاعهم، ويستخولوا رعاتهم وقومهم، فهمروا وهدروا وتورّدوا على أهل العلم بغباوتهم، وكشفوا أغطية الجهل عن أنفسهم، وهتكوا سترا كان مسدلا عليهم بالصّمت. فقد قيل: «الصمت زين العالم، وستر الجاهل» ؛ طمعا في الرياسة وحبّا لها.

وقد قيل:

حبّ الرياسة داء لا دواء له ... وقلّما تجد الراضين بالقسم

ولم يخل زمن من الأزمنة من هذه الطبقة ولا يخلو. وهلاك من هلك من الأمم فيما سلف بحبّ الرياسة. وكذلك من يهلك إلى انقضاء الدّهر فبحبّ الرياسة.

وقد قيل: هلاك الناس منذ كانوا إلى أن تأتي الساعة بحبّ الأمر والنّهي، وحبّ السّمع والطاعة.

فأشكل على العامّة أمر العالم الحقيقيّ والمدّعي المجاري المنتحل للزّور والباطل؛ ثم ترادف عليهم من هذه العلل التي يعمى لها السبيل الواضح والطّريق المنشأ، على الجاهل المستضعف؛ وذي الغباء المسترهف.

[3- منتحلو كتب الجاحظ]

ولست آمن- جعلني الله فداك- أن تكون هذه الكتب التي أعنى بتأليفها، وأتأنّق في ترصيفها، يتولّى عرضها عليك من قد لبس لباس الزّور في انتحال وضع مثلها، ونسب نفسه إلى القوّة على نظائرها، والمعرفة بما يقاربها، إن لم يكن أخاها فابن عمّها، وتشبّع بما لم يطعمه الله منها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015