يبلغ في إعطاء المجهود من نفسه في خلع جميع ما له إلى مؤملّيه والمتحرّمين به، حسن نيّة الشاكر الوامق، وحقّ تمنّي الوادّ العارف.
ولو اقتضيت جميع حقوقك عليّ، وأنكرت جميع حقوقي عليك، أو جعلت حقّي عليك حقّا لك، ثمّ زعمت أنّ حقّك لا يؤدّي إلى شكره، وأنّ حقّي لا يلزم حكمه، وأنّ إحساني إساءة، وأنّ الصغير من ذنوبي كبير، وأنّ اللّمم منّي إصرار، وأنّ خطائي عمد، وأنّ عمدي كلّه كفر، وأنّ كفري يوجب القمع ويمنع من النّزوع لما كان عندك. وما اتّسع قولي لأكثر من هذا العقاب، ولا أشدّ من هذا الغضب. وما ينبغي أن يكون هذا المقدار من النّقم إلّا لبارىء النّسم في دار البقاء، لا في دار الفناء. [و] الذي يجوز بين العباد إنّما هو تعزير أو حدّ، أو قود أو قصاص، أو حبس أو تغريب، أو إغرام أو إسقاط عدالة، أو إلزام اسم العداوة، أو عقاب يجمع الألم والتّقويم والتنكيل، فيكون مضض الألم جزاء له ومعدّلا أسبابه.
وربّما قصر الإيقاع على السّخط وجاوز حدّ الغضب. وربّما كان مقصورا على مقدارهما، ومحبوسا على نهاية حالهما.
وليس كلّ عقاب نتيجة سخط، وقد لا يسمّى ذلك الموقع والمعاقب واجدا كما يسمّى ساخطا، ولا يسمّى عاتبا كما يسمّى غضبان، فيخرج كما ترى من أن يسمّى سخطا أو موجدة وغضبا، كما خرج عقاب آدم عليه السلام من هاتين الصّفتين، ومن جميع القسمين. وعلى أنه كان إخراجا من دار الخلد والكرامة إلى دار الابتلاء والمحنة؛ ومع ما في ذلك من إعراء الجلد، والتّسمية بالظلم، مع الوصف له بضعف العزم، والاغترار بيمين الخصم.
والعجب أنك تضجر من طول مسألتنا لعفوك مع حاجتنا إلى عاجل عفوك، ولا تضجر بطول تشاغلك بظلم صديقك مع استغنائك عن ظلم صديقك. فلو كنت إنّما تفعل ذلك لأنّك تلذّ ضرب السّياط ورضّ العظام،