تهينني خلقا، وقوّيت عظمي أغلظ ما كان، ثم تريد أن توهنه أرقّ ما كان.
وهل هرمت إلّا في طاعتك، وهل أخلقني إلّا معاناة خدمتك!.
قال علي بن أبي طالب: رأي الشّيخ الضّعيف أحبّ إلينا من جلد الشابّ القويّ.
وأنا أقول كما قال أخو ثقيف: مودّة الأخ التالد وإن أخلق خير من من مودّة الطارف وإن ظهرت بشاشته، وراعتك جدّته.
وقال عبد الملك بن مروان: رأي الشيخ أحبّ إلينا من مشهد الغلام.
وقال بعضهم: ليس بغائب من شهد رأيه، وليس بفان من بقي أثره.
وما كمّل العقل ولا وفّر التجربة شيء كنقصان البدن، وكأخذ الأيّام من قوى الأعضاء.
وقال آخر: ما قبّح الرجال شيء كالوكال، ولا أفسد الكريم شيء كحبّ الاستطراف. وخير الناس من أتبع العقاب مواقع الغضب، ولم يتبع الغضب مواقع الهوى.
ولقد منحتك جلد شبابي كملا، وغرب نشاطي مقتبلا، وكان لك مهناه، وثمرة قواه، واحتملت دونك عرامه وغربه، وكان لك غنمه وعليّ غرمه، وأعطيتك عند إدبار بدني قوّة رأيي، وعند تكامل معرفتي نتيجة تجربتي، واحتملت دونك وهن الكبر وإسقام الهرم.
وخير شركائك من أعطاك ما صفا، وأخذ لنفسه ما كدر. وأفضل خلطائك من كفاك مؤونته، وأحضرك معونته، وكان كلاله عليه، ونشاطه لك.
وأكرم دخلائك وأشكر مؤمّليك من لا يظنّ أنك تسمّي جزيل ما تحتمل في بذلك ومواساتك مؤونة، ولا تتابع إحسانك إليه نعمة، بل يرى أنّ نعمة الشاكر فوق نعمة الواهب، ونعمة الوادّ المخلص فوق نعمة الجواد المغنى؛ وأنّه لا