فجنب «دندن» أحمل، والسّوط في ظهر قاسم أحسن، وأبدانهما تحت السّياط أثبت، وإنّ أرواحهما أبقى، وهي بأرواح الكلاب أشبه، وإلى طبائع الضّباب أقرب، وأرحامهم بالحمير أمسّ، ومن يشير فيهم بذلك أكثر، والأجر في ضربهم أعظم. فاستدم اللذّة بطريق اللّذّة، وضع الأمور في مواضعها يطل سرورك بها.

إنّ عتاق الخيل وأحرار الطّير أدقّ حسّا، وأشدّ اكتراثا. والكوادن الغلاظ والمحامر الثّقال، أكلّ حسّا وأقلّ اكتراثا. وليس الصّبر بالصّمت والسكوت، ولا بقلّة الصّياح والضّموز. وقد يصيح تحت السّوط من لا يقرّ على صاحبه، ولا يدلّ على عورة نفسه. والكلب المضروب يجمع الصّياح والهرب، والفرس العتيق يعدو ولا يصيح، والحافر كلّه كظوم ضامز، والمخلب كلّه ضجور صيّاح، والضّجر في الخفّ عامّ، والبخاتيّ أضجر. فسمن الظلف عامّ، وهو في الضّأن أخفى، وكلّ مضروب هارب صيّاح، ومنها ما يجمع الخصال كالكلب والبعير. والهرب من المكروه محمود، والمقام عليه مذموم؛ كالذي يعتري العير السقيم وتجده في الفرس الكريم، من قلة الاكتراث وشدته.

وصبر البدن غير صبر النفس. وليس بقاء الأرواح المنعقدة تحت الضرب الشديد من اعتزام النفس، ولا يدلّ على الكرم.

وفي المثل: «ما روح فلان إلّا روح كلب» . وتقول العرب: «الضّبّ أطول شيء ذماء» . والكلب لئيم، والضبّ غير كريم.

والبازي أكرم من الصّقر وأشدّ وأكثر ثمنا، وأجمل جمالا، وأعفى صيدا، وأنبل نبلا؛ إن قبض عليه قتله، وإن لم ينحّ كندرته عن قربه أوهن نفسه. ثم بلغ من رقة طبع البازي وعتقه أنه ينقطع بردّ البازيار له إلى مسقطه من يده. والصّقر يتعلّق بسباقيه من رجل حمل بدرع فيضطرب منكّسا إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015