وأنت تدبر لنفسك وتقيم أود غيرك، وتتّسع لجميع الرعيّة، وتبلغ بتدبيرك أقصى الأمة، وأنا أعجز عن نفسي وعن تدبير أمتي وعبدي. وأنت منعم وأنا شاكر، وأنت ملك وأنا سوقة، وأنت مصطنع وأنا صنيعة، وأنت تفعل وأنا أصف، وأنت مقدّم وأنا تابع، وأنت إذا نازعت الرجال وناهضت الأكفاء لم تقل بعد فراغك وانقطاع كلامك: لو كنت قلت كذا كان أجود، ولو تركت قول كذا لكان أحسن؛ وأمضيت الأمور على حقائقها، وسلّمت إليها أقساطها على مقادير حقوقها؛ فلم تندم بعد قول، ولم تأسف بعد سكوت. وأنا إن تكلّمت ندمت، [وإن جاريت أبدعت] ورأيي كلّه دبريّ. وأنت تعدّ في الشطرنج زبر، وأنا في الشّطرنج لا أحد.

وما أعرف ها هنا اجتماعا على مشاكلة إلا في الإيثار بخبز الخشكار على الحوّارى، والباقلّى على الجوزينج، وأنّا جميعا ندّعي الهندسة. فقد بلغ الآن من جرمي في مساواتك في خبز الخشكار، وإيثاري الباقلّى، والمعرفة بتقدير المدن وإجراء القنى، أن أنفى من جميع الأرض، وأن تجعل في دمي الجعائل؛ فإنيّ قد هجرت الخبز البتّة إلى مواصلة التّمر، ونزلت الوبر بدلا من المدر.

دعنا الآن فإنّك فارغ. إن الله يعلم- وكفى به عليما، وكفى به شهيدا، وكفى به حفيظا ووكيلا، وكفى بجرأة من يعلّمه ما لا يعلم جرأة وتعرّضا، وكفى بحاله عند الله بعدا ومقتا- لقد أردت أن أفديك بنفسي في بعض كتبي، وكنت عند نفسي في عداد الموتى وفي حيّز الهلكى، فرأيت أنّ من الخيانة لك ومن اللؤم في معاملتك، أن أفديك بنفسي ميتة، وأن أريك أنّي قد جدت لك بأنفس علق والعلق معدوم. ليس أنّ من قد فدّاك فقد جعل فداك، ولكنها نهاية من نهايات التعظيم، ودليل من دلائل الاجتهاد. ومن أعلن الاجتهاد لك واستسرّ خلاف ذلك فقد نافق وخان، وغشّ وألام. وأخلق بمن أخلّ بهذه ألّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015