أولى بالضّعف.

فلست أسألك أن تمسك إلّا ريثما تسكن إليك نفسك، ويرتدّ إليك ذهنك، وحتّى توازن بين شفاء الغيظ والانتفاع بثواب العفو، وترى الحلم وما يجلب من السلامة وطيب الأحدوثة، وترى تضرّم الغضب وما يفضى لأهله من فضل القوّة.

على أنّ العقل إذا تخلّص من سكر الغضب أصابه ما يصيب المخمور إذا خرج من سكر شرابه، والمنهزم إذا عاد إلى أهله، والمبرسم إذا أفاق من برسامه.

وما أشكّ أنّ العقل حين يطلق من إساره كالمقيّد حين يفكّ من قيوده؛ يمشي كالنّزيف، ويحجل كالغراب. فإذا وجب عليك أن تحذر على عقلك مخامرة داء الغضب بعد تخلّصه، وأن تتعمّده بالعلاج بعد مباينته له وتخلّصه من يده، فما ظنّك به وهو أسير في ملكه، وصريع تحت كلكله، وقد غطّه في بحره، وغمره بفضل قوّته.

وقد زعموا أنّ الحسن حضر أميرا قد أفرط في عقوبة بعض المذنبين، فكلّمه فلم يحفل بكلامه، وخوّفه فلم يتّعظ بزجره، فقال: إنّك إنما تضرب نفسك، فإن شئت الآن فأقلّ، وإن شئت فأكثر.

ومعاذ الله أن أقول لك كما قال الحسن لذلك الظالم المعتدي، والمصمّم القاسي، ولكنّي أقول: اعلم أنّك تضرب من قد جعلك من قتله في حلّ. وإن كان القتل يحّل بإحلال المقتول، ويسقط عنه عقابه بهبة المظلوم؛ ولو أمكن في الدين تواهب قصاص الآخرة في الدّنيا؛ وإن كان ذلك مما تجود به النفس يوم الحاجة إلى الثواب وإلى رفع العقاب، وكان الوفاء مضمونا- لكنت أوّل من أسمحت بذلك نفسه، وانشرح به صدره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015