وسكون قلبه إلى خلاف ثقته. هذا وقد خلقه الله بيده، وأسكنه في دار أمنه، وأسجد له ملائكته، ورفع فوق العالمين درجته، وعلّمه جميع الأسماء بجميع المعاني. ولا يجوز أن يعلّمه الاسم ويدع المعنى، ويعلّمه الدلالة ولا يضع له المدلول عليه. والاسم بلا معنى لغو، كالظّرف الخالي. والأسماء في معنى الأبدان والمعاني في معنى الأرواح. اللّفظ للمعنى بدن، والمعنى للّفظ روح. ولو أعطاه الأسماء بلا معان لكان كمن وهب شيئا جامدا لا حركة له، وشيئا لا حسّ فيه، وشيئا لا منفعة عنده.
ولا يكون اللفظ اسما إلّا وهو مضمّن بمعنى، وقد يكون المعنى ولا اسم له، ولا يكون اسم إلّا وله معنى.
في قوله جلّ ذكره: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها
إخبار أنّه قد علّمه المعاني كلّها. ولسنا نعني معاني تراكيب الألوان والطّعوم والأراييح، وتضاعيف الأعداد التي لا تنتهي ولا تتناهى. وليس لما فضل عن مقدار المصلحة ونهاية الرسم اسم إلّا أن تدخله في باب العلم فتقول: شيء، ومعنى.
الأسماء التي تدور بين الناس إنّما وضعت علامات لخصائص الحالات، لا لنتائج التركيبات. وكذلك خاصّ الخاصّ لا اسم له إلّا أن تجعل الإشارة المقرونة باللفظ اسما.
وإنما تقع الأسماء على العلوم المقصورة، ولعمري إنّها لتحيط بها وتشتمل. فأما العلوم المبسوطة فإنّها تبلغ مبالغ الحاجات ثم تنتهي.
فإذا زعمت أنّ الله تبارك وتعالى علّم آدم الأسماء كلّها بمعانيها، فإنّما تعني نهاية المصلحة لا غير ذلك. هذا وآدم هو الشجرة وأنت ثمرة، وهو سماويّ وأنت أرضيّ، وهو الأصل وأنت الفرع، والأصل أحقّ بالقوّة والفرع