الندوة. وسواء- جعلت فداك- ظلمت بالبطش والغشم، أو ظلمت بالدّحس والدّسّ. فشاور لبّك، وناظر حزمك، وقف قبل الوثبة، واحذر زلّة العالم.
وقد قال صاحبكم: من استشار الملالة وقلّد طبيعته الاستطراف، وجعل الخطرة ذنبا، والذنب ذنوبا، ومقدار الطّرفة إصرارا، والصّغير كبيرا، والقليل كثيرا، عاقب على المتروك الذي لا يعبأ به، وبلغ بالبطش إلى حيث لا بقيّة معه، ورأى أن القطيعة التي لا صلة معها، والتخليج الذي لا تجمّل معه، الحزم المحمود؛ وأنّ الاعتزام في كلّ موضع هو الرأي الأصيل.
وقال أيضا: من كانت طبيعته مأمونة عليه عند نفسه، وكان هواه رائده الذي لا يكذبه، والمتأمّر عليه دون عقله، ولم يتوكّل لما لا يهواه على ما يهواه، ولم ينصر تالد الإخوان على الطارف، ولم ينصف المملول المبعد من المستطرف المقرّب، ولم يخف أن تجتذبه العادة، وتتحكم عليه الطبيعة، فليرسم حججهما، ويصوّر صورهما، في كتاب مفرد أو لفظ مسموع، ثم يعرضهما على جهابذة المعاني وأطباء أدواء العقول، على ألا يختار إلّا من لا يدري أيّ النوعين يبغي، وعلى أيّهما يحامي، وأيّهما دواؤه وأيّهما داؤه. فإن لم يستعمل ذلك بما فضل له من سكر سوء العادة، لم يزل متورّطا في الخطاء مغمورا بالذمّ.
سمعتك وأنت تريدني وكأنّك تريد غيري، وكأنّك تشير عليّ من غير أن تنصّني. وتقول: إنّي لأعجب ممّن ترك دفاتر علمه متفرّقة مبثوثة، وكراريس درسه غير مجموعة ولا منظومة، كيف يعرّضها للتجرّم، وكيف لا يمنعها من التفرّق. وعلى أنّ الدفتر إذا انقطعت حزامته، وانحلّ شداده، وتخرّمت ربطه، ولم يكن دونه وقاية ولا جنّة، تفرّق ورقه؛ وإذا تفرّق ورقه اشتدّ