وليس هذا أوّل شرك نصبته، ولا أوّل كيد أرغته، ولا هي بأول زبية غطّيتها وسترتها، وحيلة أكمنتها وربصتها.

وقد كانت التقيّة والاقتصاد أسلم، بل كان العفو أرحم، والتغافل أكرم.

[5- ذم العجلة]

ولا خير في عقوبة تشمت العدوّ المتقادم، وينادي بها العدوّ الحادث.

والأناة أبلغ في الحزم، وأبعد من الذمّ، وأحمد مغبّة وأبعد من خرق العجلة.

وقد قال الأول: «عليك بالأناة؛ فإنك على إيقاع ما أنت موقعه أقدر منك على ردّ ما قد أوقعته» . فقد أخطأ من قال:

قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل

بل لو قال: والمتأنّي بدرك حاجاته أحقّ، والمستعجل بفوت حاجاته خلق، لكان قد وفّى المعنى حقّه، وأعطى اللّفظ حظّه، و [إن] كان القول لأوّل موزونا والثاني منثورا. ولولا أنه اشتقّ المستعجل من العجلة لما قرنه مالمتأنّي. وينبغي أن يكون الذي غلّطه قولهم: «ربّ عجلة تهب ريثا» .

فجعل الكلام الذي خرج جوابا عندما يعرض من السبب، كالكلام الذي خرج رتجالا، وجعله صاحبه مثلا عاما. فإذا سمّيت العمل عجلة وريثا فاقض على الريث بكثرة الفوت، وبقدر ذلك من العجز، وعلى العجلة بقلّة النّجح، بقدر ذلك من الخرق.

والرّيث والأناة في بلوغ الأمل وإدراك النّعمة كانتهاز الفرصة واهتبال لغرّة. والأناة وإن طالت [فليست من جنس الريث] ، وانتهاز الفرصة وإن كان في غاية السّرعة فليس من جنس العجلة.

وربّت كلمة لا توضع إلّا على معناها الذي جعلت حظّه، وصارت هي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015