مع أنّي لم أنكر فضيلة الصّمت، ولم أهجّن ذكره إلّا أنّ فضله خاصّ دون عام، وفضل الكلام خاصّ وعام، وأن الاثنين إذا اشتمل عليهما فضل كان حظّهما أكثر، ونصيبهما [أوفر من الواحد. ولعلّه أن يكون بكلمة واحدة نجاة] خلق، وخلاص أمّة.

ومن أكثر ما يذكر للسّاكت من الفضل، ويوصف له من المنقبة أن يقال يسكت ليتوقّى به عن الإثم، وذلك فضل خاصّ دون عامّ.

ومن أقلّ ما يحتكم عليه أن يقال غبيّ أو جاهل، فيكون في ذلك لازم ذنب على التوهّم به، فيجتمع مع وقوع اسم الجاهل عليه ما ورّط فيه صاحبه من الوزر.

والذي ذكر من تفضيل الكلام ما ينطق به القرآن، وجاءت فيه الرّوايات عن الثّقات، في الأحاديث المنقولات، والأقاصيص المرويّات، والسّمر والحكايات، وما تكلّمت به الخطباء ونطقت فيه البلغاء- أكثر من أن يبلغ آخرها، ويدرك أوّلها، ولكن قد ذكرت من ذلك على قدر الكفاية، ومن الله التوفيق والهداية.

ولم نر الصّمت- أسعدك الله- أحمد في موضع إلّا وكان الكلام فيه أحمد، لتسارع النّاس إلى تفضيل الكلام، لظهور علّته، ووضوح جليّته، ومغبّة نفعه.

[4- الكلام ينجي صاحبه]

وقد ذكر الله جلّ وعزّ في قصّة إبراهيم عليه السلام حين كسّر الأصنام وجعلها جذاذا، فقال حكاية عنهم: قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ. قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ

. فكان كلامه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015