سببا لنجاته، وعلّة لخلاصه، وكان كلامه عند ذلك أحمد من صمت غيره في مثل ذلك الموضع، لأنّه عليه السلام لو سكت عند سؤالهم إيّاه لم يكن سكوته إلّا على بصر وعلم، وإنّما تكلّم لأنّه رأى الكلام أفضل، وأنّ من تكلّم فأحسن قدر أن يسكت فيحسن، وليس من سكت فأحسن قدر أن يتكلّم فيحسن.
واعلم- حفظك الله- أنّ الكلام سبب لإيجاب الفضل، وهداية إلى معرفة أهل الطّول.
ولولا الكلام لم يكن يعرف الفاضل من المفضول، في معان كثيرة، لقول الله عزّ وجلّ، في بيان يوسف عليه السلام وكلامه عند عزيز مصر، لمّا كلّمه فقال: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ
. فلو لم يكن يوسف عليه السلام أظهر فضله بالكلام، والإفصاح بالبيان، مع محاسنه المونقة، وأخلاقه الطّاهرة، وطبائعه الشريفة، لما عرف العزيز فضله، ولا بلغ تلك المنزلة لديه، ولا حلّ ذلك المحلّ منه، ولا صار عنده بموضع الأمانة، ولكان في عداد غيره ومنزلة سواه عند العزيز. ولكنّ الله جعل كلامه سببا لرفع منزلته، وعلوّ مرتبته، وعلّة لمعرفة فضيلته، ووسيلة لتفضيل العزيز إيّاه.
ولم أر للصّمت فضيلة في معنى ولا للسّكوت منقبة في شيء إلّا وفضيلة الكلام فيها أكثر، ونصيب المنطق عندها أوفر، واللّفظ بها أشهر. وكفى بالكلام فضلا، وبالمنطق منقبة، أن جعل الله الكلام سبيل تهليله وتحميده، والدّالّ على معالم دينه وشرائع إيمانه، والدّليل إلى رضوانه. ولم يرض من