ومتى اتّكل صاحب البلاغة على الهوينى والوكال، وعلى السّرقة والاحتيال، لم ينل طائلا، وشقّ عليه النزوع، واستولى عليه الهوان، واستهلكه سوء العادة.
والوجه الضارّ: أن يتحفّظ ألفاظا بعينها من كتاب بعينه، أو من لفظ رجل، ثم يريد أن يعدّ لتلك الألفاظ قسمها من المعاني، فهذا لا يكون إلا بخيلا فقيرا، وحائفا سروقا، ولا يكون إلّا مستكرها لألفاظه، متكلّفا لمعانيه، مضطرب التأليف منقطع النظام. فإذا مرّ كلامه بنقّاد الألفاظ وجهابذة المعاني استخفّوا عقله، وبهرجوا علمه.
ثم اعلم أنّ الاستكراه في كل شيء سمج، وحيث ما وقع فهو مذموم، وهو في الطّرف أسمج، وفي البلاغة أقبح. وما أحسن حاله ما دامت الألفاظ مسموعة من فمه، مسرودة في نفسه، ولم تكن مخلّدة في كتبه.
وخير الكتب ما إذا أعدت النّظر فيه زادك في حسنه، وأوقفك على حدّه.
فصل منه: ومن المعلمين ثم من البلغاء المتأدّبين: عبد الله بن المقفّع، ويكنى أبا عمرو، وكان يتولّى لآل الأهتم، وكان مقدّما في بلاغة اللسان والقلم والتّرجمة، واختراع المعاني وابتداع السّير. وكان جوادا فارسا جميلا، وكان إذا شاء أن يقول الشعر قاله، وكان يتعاطى الكلام. ولم يكن يحسن منه لا قليلا ولا كثيرا. وكان ضابطا لحكايات المقالات، ولا يعرف من أين غرّ المغترّ ووثق الواثق. وإذا أردت أن تعتبر ذلك، إن كنت من خلّص المتكلّمين ومن النّظّارين، فاعتبر ذلك بأن تنظر في آخر رسالته (الهاشمية) ، فإنّك تجده جيّد الحكاية لدعوى القوم، رديّ المدخل في مواضع الطّعن