العجب، ويكون مع ذلك حريصا على أن يعدّ في البلغاء، شديد الكلف بانتحال اسم الأدباء. فإذا كان كذلك خفي عليه فرق ما بين إجابة الألفاظ واستكراهه لها.

وبالجملة إنّ لكل معنى شريف أو وضيع، هزل أو جدّ، وحزم أو إضاعة، ضربا من اللفظ هو حقّه وحظّه، ونصيبه الذي لا ينبغي أن يجاوزه أو يقصّر دونه.

ومن قرأ كتب البلغاء، وتصفّح دواوين الحكماء، ليستفيد المعاني، فهو على سبيل صواب. ومن نظر فيها ليستفيد الألفاظ فهو على سبيل الخطأ.

والخسران ها هنا في وزن الرّبح هناك؛ لأنّ من كانت غايته انتزاع الألفاظ حمله الحرص عليها، والاستهتار بها إلى أن يستعملها قبل وقتها، ويضعها في غير مكانها. ولذلك قال بعض الشّعراء لصاحبه: أنا أشعر منك! قال صاحبه: ولم ذاك؟ قال: لأنّي أقول البيت وأخاه، وأنت تقول البيت وابن عمّه.

وإنّما هي رياضة وسياسة، والرفيق: مصلح وآخر مفسد. ولا بدّ من هدان وطبيعة مناسبة.

وسماع الألفاظ ضارّ ونافع.

فالوجه النافع: أن يدور في مسامعه، ويغبّ في قلبه، ويختمر في صدره، فإذا طال مكثها تناكحت ثم تلاقحت فكانت نتيجتها أكرم نتيجة، وثمرتها أطيب ثمرة؛ لأنّها حينئذ تخرج غير مسترقة ولا مختلسة ولا مغتصبة، ولا دالّة على فقر؛ إذ لم يكن القصد إلى شيء بعينه، والاعتماد عليه دون غيره. وبين الشيء إذا عشّش في الصّدر ثم باض، ثم فرّخ ثم نهض، وبين أن يكون الخاطر مختارا، واللفظ اعتسافا واغتصابا، فرق بيّن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015