الرأي أن يعتمد به في حساب العقد دون حساب الهند، ودون الهندسة وعويص ما يدخل في المساحة. وعليك في ذلك بما يحتاج إليه كفاة السّلطان وكتّاب الدواوين.

وأنا أقول: إن البلوغ في معرفة الحساب الذي يدور عليه العمل، والتّرقّي فيه والسبب اليه، أردّ عليه من البلوغ في صناعة المحرّرين ورؤوس الخطّاطين؛ لأنّ في أدنى طبقات الخطّ مع صحّة الهجاء بلاغا. وليس كذلك حال الحساب.

[11- تعليم صناعة الكتابة]

ثمّ خذه بتعريف حجج الكتّاب وتخلّصهم باللفظ السّهل القريب المأخذ إلى المعنى الغامض. وأذقه حلاوة الاختصار، وراحة الكفاية، وحذّره التكلّف واستكراه العبارة؛ فإنّ أكرم ذلك كلّه ما كان إفهاما للسامع، ولا يحوج إلى التأويل والتعقّب، ويكون مقصورا على معناه لا مقصّرا عنه، ولا فاضلا عليه.

فاختر من المعاني ما لم يكن مستورا باللفظ المتعقّد، مغرقا في الإكثار والتكلّف، فما أكثر من لا يحفل باستهلاك المعنى مع براعة اللّفظ وغموضه على السامع بعد أن يتّسق له القول، وما زال المعنى محجوبا لم تكشف عنه العبارة. فالمعنى بعد مقيم على استخفائه وصارت العبارة لغوا وظرفا خاليا.

وشرّ البلغاء من هيّأ رسم المعنى قبل أن يهيّىء المعنى، عشقا لذلك اللفظ، وشغفا بذلك الاسم، حتّى صار يجرّ إليه المعنى جرّا، ويلزقه به إلزاقا. حتّى كأنّ الله تعالى لم يخلق لذلك المعنى اسما غيره، ومنعه الإفصاح عنه إلّا به.

والآفة الكبرى أن يكون رديء الطّبع بطيء اللفظ، كليل الحدّ، شديد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015