منزلة منه.
ومتى أهمل النظر لم تسرع إليه المعاني، ومتى أهمل الحفظ لم تعلق بقلبه، وقلّ مكثها في صدره.
وطبيعة الحفظ غير طبيعة الاستنباط. والذي يعالجان به ويستعينان متّفق عليه، [ألا] وهو فراغ القلب للشيء، والشّهوة له، وبهما يكون التمام، وتظهر الفضيلة.
ولصاحب الحفظ سبب آخر يتّفقان عليه، وهو الموضع والوقت.
فأمّا الموضع فأيّهما يختار إذا أرادا ذلك الفوق دون السفّل.
وأمّا السّاعات فالأسحار دون سائر الأوقات، لأنّ ذلك الوقت قبل وقت الاشتغال، وبعقب تمام الراحة والجمام، لأنّ للجمام مقدارا هو المصلحة، كما أنّ للكدّ مقدارا هو المصلحة.
فصل منه: ويستدلّ أيضا بوصايا الملوك للمؤدّبين في أبنائهم، وفي تقويم أحداثهم، على أنّهم قد قلّدوهم أمورهم وضميرهم ببلوغ التّمام في تأديبهم.
وما قلّدوهم ذلك إلّا بعد أن ارتفع إليهم في الحنوّ حالهم في الأدب، وبعد أن كشفهم الامتحان وقاموا على الخلاص.
وأنت- حفظك الله- لو استقصيت عدد النحويّين والعروضيّين والفرضيّين، والحسّاب، والخطّاطين، لوجدت أكثرهم مؤدّب كبار ومعلّم صغار، فكم تظنّ أنّا وجدنا منهم، من الرّواة والقضاة والحكماء، والولاة من المناكير والدّهاة، ومن الحماة والكفاة، ومن القادة والذّادة، ومن الرّؤساء والسّادة، ومن كبار الكتاب والشعراء، والوزراء والأدباء، ومن أصحاب الرسائل والخطابة، والمذكورين بجميع أصناف البلاغة، ومن الفرسان وأصحاب الطعان، ومن نديم كريم، وعالم حكيم، ومن مليح ظريف، ومن شابّ