على شفاء الغيظ؛ فإنّ منعه لنفسه، ومجاذبته لطبعه مع الغيظ الشّديد، والقدرة الظاهرة، أشدّ عليه في المزاولة وأبلغ في المشقّة والمكابدة، من صبر الشّكل على أذى شكله، واحتمال المظلوم عن مثله، وإن خاف الطمس، وتوقّع العيب.
فصل منه: ومن بعد هذا، فمن شأن الأيّام أن يظلم المرء أكثر محاسنه ما كان تابعا، فإذا عاد متبوعا عادت عليه من محاسن غيره بأضعاف ما منعته من محاسن نفسه، حتّى يضاف إليه من شوارد الأفعال، ومن شواذّ المكارم إن كان سيّدا، ومن غريب الأمثال إن كان منطيقا، ومن خيار القصائد إن كان شاعرا، مما لا أمارات لها، ولا سمات عليها.
فكم من يد بيضاء وصنيعة غرّاء، ضلّت فلم يقم بها ناشد، وخفيت فلم يظهرها شاكر. والذي ضاع للتّابع قبل أن يكون متبوعا، أكثر ممّا حفظ، والذي نسي أكثر مما ذكر، وما ظنّك بشيء بقيّته تهب السّيادة، ومشكوره يهب الرياسة، على قلّة الشّكر، وكثرة الكفر.
وقد يكون الرجل تامّ النّفس ناقص الأداة، فلا يستبان فضله، ولا يعظّم قدره، كالمفرج الذي لا عشيرة له، والإتاويّ الذي لا قوم له. وقد يعظّم المفرج الذي لا ولاء له ولا عقد جوار، ولا عهد حلف، إذا برع في الفقه وبلغ في الزّهد، بأكثر من تعظيم السيّد، كجهة تعظيم الدّيّان. كما أنّ طاعة السّلطان غير طاعة السّادة، والسّلطان إنّما يملك أبدان الناس، ولهم الخيار في عقولهم، وكذلك الموالي والعبيد.
وطاعة النّاس للسيّد، وطاعة الديّان طاعة محبّة ودينونة، والقلوب أطوع لهما من الأبدان، إلّا أن يكون السلطان مرضيّا، فإن كان كذلك فهو أعظم خطرا من السيّد، وأوجه عند الله من ذلك الدّيّان.
وربّما ساد الأتاويّ لأنّه عربيّ على حال. والمفرج لا يسود أبدا لأنّه