وخرجت خارجة بخراسان فقيل لقتيبة بن مسلم: لو وجّهت إليهم وكيع إبن أبي سود لكفاهم فقال: وكيع رجل عظيم الكبر، في أنفه خنزوانة، وفي رأسه نعرة، وإنّما أنفه في أسلوب؛ ومن عظم كبره اشتدّ عجبه، ومن أعجب برأيه لم يشاور كفيّا، ولم يؤامر نصيحا، ومن تبجّح بالانفراد وفخر بالاستبداد كان من الظّفر بعيدا، ومن الخذلان قريبا، والخطاء مع الجماعة خير من الصواب مع الفرقة. وإن كانت الجماعة لا تخطىء والفرقة لا تصيب.
ومن تكبّر على عدوّه حقره، وإذا حقره تهاون بأمره. ومن تهاون بخصمه ووثق بفضل قوّته قلّ احتراسه، ومن قلّ احتراسه كثر عثاره.
وما رأيت عظيم الكبر صاحب حرب إلّا كان منكوبا ومهزوما ومخدوعا.
ولا يشعر حتّى يكون عدوّه عنده، وخصمه فيما يغلب عليه أسمع من فرس، وأبصر من عقاب، وأهدى من قطاة، وأحذر من عقعق، وأشدّ إقداما من الأسد، وأوثب من فهد، وأحقد من جمل، وأروغ من ثعلب، وأغدر من ذئب، وأسخى من لافظة، وأشحّ من صبيّ، وأجمع من ذرّة، وأحرص من كلب، وأصبر من ضبّ. فإنّ النّفس إنّما تسمح بالعناية على قدر الحاجة، وتتحفّظ على قدر الخوف، وتطلب على قدر الطّمع، وتطمع على قدر السّبب.
فصل منه: وأقول بعد هذا كلّه: إنّ النّاس قد ظلموا أهل الحلم والعزم، حين زعموا أنّ الذي يسهّل عليهم الاحتمال معرفة الناس بقدرتهم على الانتقام، فكيف والمذكور بالحلم والمشهور بالاحتمال يقيّض له من السّفهاء، ويؤتى له من أهل البذاء ما لا يقوم له صبر، ولا ينهض به عزم.
بل على قدر حلمه يتعرّض له، وعلى قدر عزمه يمتحن صبره ولأنّ الذي سهّل عليه الحلم، ومكّنه من العزم، معرفة الناس بقدرته على الانتقام، واقتداره