وشرف رعيّته وكرم ناحيته. ولا كان فوق الملوك الأعاظم والجلّة الأكابر، بل دون كثير منهم في الحسب وشرف الملك وكرم الرعيّة، ومنعة السّلطان، والسّطوة على الملوك.
ولو كان الكبر فضيلة وفي التّيه مروءة، لما رغب عنه بنو هاشم ولكان عبد المطّلب أولى النّاس منه بالغاية، وأحقّهم بأقصى النهاية.
ولو كان محمود العاجل ومرجوّ الآجل، وكان من أسباب السّيادة أو من حقوق الرّياسة، لبادر إليه سيّد بني تميم، وهو الأحنف بن قيس، ولشحّ عليه سيّد بكر بن وائل وهو ملك، ولاستولى عليه سيّد الأزد وهو المهلّب.
ولقد ذكر أبو عمرو بن العلاء جميع عيوب السّادة، وما كان فيهم من الخلال المذمومة، حيث قال: «ما رأينا شيئا يمنع من السّودد إلّا وقد وجدناه في سيّد: وجدنا البخل يمنع من السّودد، وكان أبو سفيان بن حرب بخيلا.
والعهار يمنع من السّودد، وكان عامر بن الطفيل سيّدا، وكان عاهرا. والظّلم يمنع من السّودد، وكان حذيفة بن بدر ظلوما، وكان سيد غطفان. والحمق يمنع من السّودد، وكان عتيبة بن حصن محمقا، وكان سيّدا. والإملاق يمنع من السّودد، وكان عتبة بن ربيعة مملقا. وقلّة العدد تمنع من السّودد وكان شبل بن معبد سيّدا، ولم يكن من عشيرته بالبصرة رجلان. والحداثة تمنع من السّودد، وساد أبو جهل وما طرّ شاربه، ودخل النّدوة وما استوت لحيته.
فذكر الظّلم، والحمق، والبخل، والفقر، والعهار، وذكر العيوب ولم يذكر الكبر، لأنّ هذه الأخلاق وإن كانت داء فإنّ في فضول أحلامهم وفي سائر أمورهم ما يداوى به ذلك الدّاء، ويعالج به ذلك السّقم، وليس الداء الممكن كالدّاء المعضل، وليس الباب المغلق كالمستبهم، والأخلاق التي لا يمكن معها السّؤدد، مثل الكبر والكذب والسّخف، ومثل الجهل بالسّياسة.