وأقنطهم من الخروج.
والكبر هو الذي زيّن لإبليس ترك السّجود، ووهّمه شرف الأنفة، وصوّر له عزّ الانتقاض، وحبّب إليه المخالفة، وآنسه بالوحدة والوحشة، وهوّن عليه سخط الرّبّ، وسهّل عليه عقاب الأبد، ووعده الظّفر، ومنّاه السّلامة، ولقّنه الاحتجاج بالباطل، وزيّن له قول الزّور، وزهّده في جوار الملائكة، وجمع له خلال السّوء، ونظم له خلال الشّرّ، لأنّه حسد والحسد ظلم، وكذب والكذب ذلّ، وخدع والخديعة لؤم. وحلف على الزور، وذلك فجور. وخطّأ ربّه، وتخطئة الله جهل، وأخطأ في جليّ القياس وذلك غيّ، ولجّ واللّجاج ضعف. وفرق بين التكبّر والتبدّي. وجمع بين الرّغبة عن صنيع الملائكة وبين الدّخول في أعمال السّفلة.
واحتجّ بأنّ النار خير من الطّين. ومنافع العالم نتائج أربعة أركان: نار يابسة حارة، وماء بارد سيّال، وأرض باردة يابسة، وهواء حارّ رطب. ليس منها شيء مع مزاوجته لخلافه إلّا وهو محي مبق. على أنّ النار نقمة الله من بين جميع الأصناف، وهي أسرعهنّ إتلافا لما صار فيها. وأمحقهنّ لما دنا منها.
هذا كلّه ثمرة الكبر، ونتاج النّية، والتكبّر شرّ من القسوة، كما أنّ القسوة شرّ المعاصي. والتّواضع خير الرحمة، كما أنّ الرّحمة خير الطّاعات.
والكبر معنى ينتظم به جماع الشّرّ، والتّواضع معنى ينتظم به جماع الخير، والتّواضع عقيب الكبر، والرّحمة عقيب القسوة. فإذا كان للطّاعة قدر من الثّواب فلتركها وعقيبها، ولما يوازنها ويكايلها، مثل ذلك القدر من